عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

رؤى

كارولين كامل

ماذا يقول مجتمعنا عن الجنس؟

2025.06.15

مصدر الصورة : آخرون

ماذا يقول مجتمعنا عن الجنس؟!

 

"المرأة.. كانت بحق تعني العالم بالنسبة إلى هذه اللحظات الطويلة جدًّا جدًّا. كانت تمرح مع الشمس التي سطعت في تلك اللحظة على أكتافها، ثم على خصرها، والآن راحت الشمس على نحو متزايد تتراقص وتتلوى كثعبان على ردفيها. كم بدت فخورة بنفسها خلال انتصابها وانهماكها في ما تفعل! بدا أيضًا أنها هي وحدها الفاعلة (والأمر في حقيقته يدور حول فعلها هي، وهو أفضل فعل، إن لم يكن هو الفعل الوحيد الذي يمكن أن تقدمه إلى العالم، أو إلى أي مخلوق كان)، لم يكن الرجل تحتها سوى تكأة، شخص منذور للخدمة".

من رواية "دون جوان.. يحكي عن نفسه" للكاتب النمساوي بيتر هاندكه وترجمة سمير جريس، مشهد برع فيه الكاتب على لسان بطله أن يروي كيف تلصص على عاشقين يمارسان الجنس في غابة معزولة، لم يلجأ إلى أوصاف جنسية مباشرة، ولم يكن جسد المرأة جميلًا مفعولًا به من قِبل الرجل، ولكن العكس كليًّا، كانت المرأة هي الفاعل، تستمتع بما تفعله من أجل نفسها أولًا وفيما بعد رفيقها، ما جعل المشهد من وجه نظر بطل الرواية أيقونة عشق لأن نشوة المرأة تحققت بإرادتها.

وقبيل النهاية يقول دون جوان: "إن المرأة من خلال فعل المطالبة، تزداد جمالًا، حتى لو كانت هي أساسًا جميلة الجميلات، إلى أن تصل إلى درجة ليس في الإمكان أجمل من ذلك".. يقصد الكاتب إفصاح المرأة للرجل عن رغبتها الجنسية.

لم يكد يمر شهر على حادثة مقتل أزهار، عروس أسيوط ليلة زفافها، بسبب شك العريس في عذريتها، الأمر الذي دحضته المحكمة على لسان القاضي: كانت أزهار بكر وذ ُ بحت بغير حق "، حتى رأينا صور مهرائيل صبري عروس من بني سويف طلب منها زوجها في ليلة عرسهم أن تغسل السجاجيد بالكامل وإلا عذبها، الأمر الذي فشلت فيه بالطبع، ربطها وضربها ثماني ساعات متواصلة واستولى على مصاغها وطردها في الشارع.

فورًا يتساءل البعض ماذا فعلت العروس ليلة الزفاف يُغضب عريسها بهذا الشكل، وكأن هذه الجريمة المتمثلة في الضرب المبرح يحتاج إلى أي مبرر بأي شكل، أو ذبح العروسة بعد ساعات قليلة من ليلة دُخلتها، يقفز إلى أغلب الأذهان الحُجة القانونية المعروفة بـ"جريمة الشرف"، ولكن قليلًا ما نتوقف لنسأل ماذا بدر أو ماذا فشل فيه الرجل في هذه الليلة وسبَّب له ذعرًا ما يطال من رجولته، فما فشل فيه سُيعلن في اليوم التالي، أو الأيام التي تليه إذا ما استمر فشله.

هي مصر!

أخيرًا كنت برفقة صديقة، تحدثنا عن مرارة العيش في مصر كنساء، والمُثير للسخرية أن الضمير العائد على "مصر" هو المؤنث، نتحدث عنها وكأنها الصديقة الخفية، وعادة ما تظهر في الرسم أو الكاريكاتير في هيئة أنثى في حاجة دومًا إلى الإنقاذ والعناية والرعاية من قِبل رجل ما، المهمة التي يتولاها عادة رؤساء الجمهورية، ولا يكفون عن تأنيب الشعب لإهماله في حماية هذه المرأة الوطن.

قالت لي صديقتي تعليقًا إن ضحايا ليلة الزفاف لسن فقط من يقُتلن أو يعذبن بسبب فشل العريس في أداء مهام الزوجية، لكن هناك زوجات يعشن في جحيم برفقة أزواج يعاقبونهن طوال عشرين عامًا بسبب أن الزوجة التعيسة ابتسمت في ليلة زفافها بعد أن مارسوا الجنس، وأخبرت زوجها أنها شعرت بسعادة، بل واستفاضت في التعبير عن رضاها من أدائه، بأن الجنس لم يكن مؤلمًا إلى هذه الدرجة التي كانت تتصورها وتخشاها، بوحها الصادق والعفوي والأمين، ففي نهاية الأمر من تنام برفقته هو زوجها، أغضب الجهل الذكوري الكامن في داخله، وأبدى صدمته لسعادتها وكلامها الذي لن يصدر إلا عن امرأة تعرف ماهية الجنس حتى وإن كانت لا تزال عذراء.

أكملت صديقتي أن الزواج مستمر حتى يومنا هذا، إلا أن الزوج لا يكف عن توبيخ زوجته والتعبير عن احتقاره إياها عقب كل ليلة يمارس معها فيها الجنس، الممارسة التي أثمرت عن ثلاثة أطفال، والزوجة من جهتها كانت حياتها الجنسية انتهت بالفعل بعد الليلة الأولى والأخيرة أيضًا التي أحبت فيها الجنس، لأن ما تلاها كانت ممارسة اضطرارية وضرورة للإنجاب أو لرغبة زوجها التي تتم دون تبادل أي كلام، ودون تلامس حميمي، مجرد دقائق يُفرغ حاجته، تليها ساعات من تجنب النظر إلى الأعين.

علميًّا الشعور بالألم عند ممارسة الجنس لأول مرة طبيعي لدى النساء، وتتفاوت درجاته وحتى استجابة الجسد له، بل وأيضًا تؤثر بعض المشاكل الصحية في الرحم على سبيل المثال من مضاعفة الألم، وغيرها من الاختلافات الجسدية المتعلقة بالوزن وممارسة الرياضة، إلا أن بشكل عام مع تكرار الممارسة يزول الألم المرتبط بالليلة الأولى، وبالتدريج يتعرف الجسد على ما يسعده وما ينفر منه، وحتى درجات الألم المحتملة التي تطلبها الممارسة الجنسية أحيانًا، ومن تحظى بليلة أولى هادئة بقدر ما، فهي محظوظة ويتوجب تتويج شريكها كونه خبيرًا، وبالتالي تلقيه للمدح برضًا هو رد الفعل المتوقع.

إلا أن متعة بعض الرجال في إيلام المرأة خلال الممارسة الجنسية وبالذات في المرة الأولى شرحها كارل يونغ عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي، بأنها رغبة خفية لدى هؤلاء الذكور أصحاب النفسية الهشة بأن يؤكد لنفسه أن المكان الذي أتى منه (فرج الأم) لن يكون سببًا لألمه أو لأي فضل في وجوده، لن تكون الأنثى هي اليد العليا في استمراره، بل سيكون هو الذكر والبطل في اقتحام جسد الأنثى، وهي من تعتمد عليه من أجل البقاء، وبالتالي نشوتها الجنسية لا تُحسب ضمن هذه العطايا التي يقدمها إليها، بل انسحاقها وخضوعها ككلبة تعوي في موسم التزاوج طلبًا لحاجة بيولوجية غرضها البقاء.

لا يمكن الجزم بأن البشر جميعًا على تواصل مع أحاسيسهم الخفية التي يفحصها التحليل النفسي بعدسة مكبرة بحثًا عن تفسيرات وإجابات، إلا أن كلام يونغ يمكن استيعابه ضمن ما يحمله الوعي الجمعي والثقافة الشعبية المصرية من تصورات عن الليلة الأولى "ليلة الدُّخلة"، بداية من الحكي على المقاهي وصولًا إلى الأفلام والدراما، التي تعزز من فحولة الرجل فقط لكونه ذكرًا.

في مشاهد كاريكاتورية نرى العروس تركض من هذه الفحولة، وكأن هذا الرجل الذي خُطبت له عشر سنوات تحول فجأة إلى وحش كاسر يحمل سيفًا ضخمًا ومتأهبًا لدسه في جسدها، وتختبئ في الحمام وتعض على أناملها، الخوف وخجل العذارى محفز جنسي شائع ومعروف وأشبه بتمثيلية تُشبع غريزة الصيد والكر والفر التي تنتهي بفوز الذكر.

أو في جانب آخر مشاهد عادية لباب غرفة النوم مغلقًا، يُترك لخيالنا تصور ما يحدث بداخله بين العرسان، ولكن نسمع صراخًا واستغاثة، وأحيانًا في مشهد الصباحية نرى تورمًا وكدمات على جسد العروس ولكنها تبدو سعيدة، والمحصلة النهائية هي أن المرأة في مخيلة البعض من الرجال سوف تعاني وتتألم بشكل هيستيري، وهو ما يتوقعه العريس في ليلة الزفاف، وتخشاه كثير من النساء ويؤثر في مزاجهم بشكل عام في هذه الليلة ولهن كل الحق في مخاوفهن.

ولكن إذا ما تجرأت العروس وخرجت عن السيناريو المتداول كما في حكاية صديقتي التي روتها لي، فسوف يلفظها العريس، لأنه يتساءل كيف تعرف المرأة عن الجنس وهي لا تزال عذراء، فهوس العذرية قائم لا مساس به في أفكارهم ورغباتهم، ومهما تأكد من عذريتها فإن ما يرعبه  حقًّا هي المعرفة التي لديها، لأن تلك المعرفة ستجعل منها مساوية له، وأن كل ما يدعيه من مآثر جنسية محض هراء وربما سخرية.

الهوس بفكرة الاقتحام الجسدي من خلال فعل القوة، عابر للثقافات، ففي رواية "عاصفة السُّيوف" الجزء الثالث من سلسلة روايات "أغنية الجليد والنار" للكاتب الأمريكي جورج ر. مارتن وترجمة هشام فهمي، يقول اللورد والدر روب: "جلالة الملك، السّبتون صلَّى صلواته، وقيلَت بضع كلمات، وأحاطَ اللورد إدميور حُلوتي بمعطف الأسماك، لكنهما ليسا زوجًا وزوجةً بعدُ. السَّيف يلزَمه غِمد، هِه، والزِّفاف يلزَمه إضْجاع، فما رأي مولاي؟ هل يأذن أن نُضجِعهما؟".

من اللافت أن لفظة "غمد" في اللغة اليونانية هي "مهبل"، إلا أن الفارق في هذه اللحظة الراهنة، هو ما أنجزته بعض الشعوب من تحضر إنساني للسيطرة على هذا الهوس، وممارسة الجنس حق مكفول ويصونه الضمير الشخصي، وإلا وقع تحت طائلة القوانين الصارمة التي سُنت لحماية حق الإنسان في امتلاك جسده ومعاقبة كل محاولة للمساس أو التطاول على هذا الجسد.

لم يعد الجنس لديهم هاجسًا مُعطلًا للحياة اليومية مثلما هو الحال في مصر، حيث أن تحويل ممارسة الجنس سواء في منظومة الزواج أو خارجها، إلى أكبر فزاعة دينية وأخلاقية، تولد عنه كبت أدى إلى انفجار شتى الممارسات المريضة مثل اغتصاب الأطفال والتحرش والاغتصاب الزوجي بل والفشل في الممارسة نفسها وما يتبعها من قتل النساء، وغيرها من جرائم القوة المرتبطة بالجنس.

ماذا نعرف عن الجنس!

 التسليم بجهل نساء المجتمعات المُحافظة المتدينة بالجنس نُكتة، ولكن يحب أغلب رجال هذه المجتمعات الإيمان بها، وبالتالي السؤال هنا ماذا يعرف شريحة كبيرة من هؤلاء الرجال بدورهم عن الجنس أكثر مما تعرفه المرأة، في حالة إن هذا الرجل لم يسبق له الزواج أو لم تُتَح له ممارسة الجنس خارج إطاره، فالمحصلة النهائية هنا أن حدود معرفته لن تختلف على الإطلاق عن أي امرأة، جلسات النميمة حيث الأكاذيب والمبالغات هي العنصر السائد، أو لأن المعرفة الجنسية لا تحتاج أكثر من هاتف محمول وباقة إنترنت.

لا يزال هؤلاء الرجال مهووسون بصورة الفتاة الأنثى التي بلغت وحصلت على الشهادات العلمية ربما، وتعمل وتتلقى راتبًا شهريًّا، ولكن لم تُفطم بعد وتعاني من البلاهة الطفولية المحببة التي نجدها أيضًا لدى الحيوانات المنزلية، دونية وتأخر عقلي يجعلها متلعثمة جاهلة الفرق بين الدجاجة والديك، وإمعانًا في طهرانية غير عقلانية، فإنها المرأة تظل على جهلها الجنسي حتى بعد أن تُنجب الأطفال وتزوجهم.

يقول الأرستقراطي البارز الإنجليزي اللورد جيمس أوف هيرفورد: "أي محاولة تقوم بها المرأة للخلاص من الدونية المفروضة عليها، ستؤدي إلى تدمير نسيج المجتمع، لذلك لا بد من قمعها"، لسنا بحاجة إلى سرد تاريخ إنجلترا من بعد هذه المقولة، فالنساء هناك صرن ملكات مخلدات ورؤساء وزراء يصدرن الأوامر للجيوش، ولكن في مصر لدى هذه الشريحة من الرجال يقين حقيقي أن إيمان المرأة بدونيتها هو الضمان الوحيد لاستمرار وجودهم كرجال ضعفاء ولكن بمهابة زائفة.

تقول الكاتبة والباحثة الإنجليزية روزاليندا مايلز في كتاب "من طبخت العشاء الأخير؟ التاريخ كما ترويه النساء": "العاهرة، هي فريسة الرجال المشروعة. تظهر العاهرة إلى الوجود بسبب شهوة الرجل، لكنها تُعاقب على الاستسلام لها، من خلال جسدها، تمثل العاهرة التوتر الجنسي الأبدي بين المتعة والخطر"، توضح مايلز أن الرجل في المجتمعات القديمة المحافظة، احتكر متعته لنفسه وجرد زوجته منها، وفي الوقت ذاته كان يستميت في البحث عن امرأة تشاركه هذه المتعة بأن تستمتع هي الأخرى ويرى متعتها بنفسه، فكانت العاهرة التي تتلقى مالًا نظير ادعائها أو في وضع أفضل كانت العشيقة.

تطرح مايلز للقارئ حقيقة أقدم مهنة في التاريخ وهي "الدعارة"، كانت تلبية لاحتياجات رجال مختلفين، ولكنها أبدت دهشتها وسخريتها من هؤلاء الذين يتعمدون قمع نشوة نسائهم جنسيًّا منذ الليلة الأولى، ويبحثون عن عاهرة تبيعهم متعة كاذبة، وخلَصت إلى أن هؤلاء عادة يعانون من مشاكل في بنيتهم النفسية تجاه أنفسهم وأجسادهم، أو لخوفهم من أن تكتشف المرأة اللذة الكامنة في ممارسة الجنس مع شريك مؤمن بحقها في الحياة والمتعة، وما ينقصه كرجل ويفزعه هو ما يفتقده من إيمان بحقوقها، ولا نية لديه بأن يعتنقه في يوم ما.

وبالنسبة إلى هذه الشريحة من الرجل المصري نتوقع الضرب والقتل في الليلة الأولى، فهو ابن ثقافة وتنشئة ومنظومة ترعاه فكريًّا منذ الصغر بأن فحولة الرجل مستمدة من امتلاك العضو وليس من إجادة الممارسة ذاتها، بأمثلة من عينة "الرجل لو عضم في قفة"، "الرجل مايعيبوش غير جيبه"، "صبح مراتك بعلقة.. ومسيها بعلقة.. أحسن من الطلقة"، وما يفلح فيه ذكر الخروف لن يفشل فيه بني آدم.