عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

رؤى

كارولين كامل

القانون في مصر لا يحمي النساء

2025.05.18

مصدر الصورة : آخرون

القانون في مصر لا يحمي النساء

 

"هل أزهار كانت بكر أم ثيب.. أجاب الطبيب الشرعي بفحص موضع العفة، تأكد أنها بكر.. ذُبحت الضحية بغير حق". ملخص ما قاله رئيس محكمة جنايات أسيوط قبل أن ينطق بحكم الإعدام على عريسها الذي ذبحها في ليلة الزفاف لشكه في عذريتها، انتشرت كلمات القاضي على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبة باحتفاء إنساني تحت عنوان: "قاضي يبرئ المجني عليها حتى لا يعاير المجتمع أهلها".

"تبيّن للمحكمة من خلال سير إجراءات المحاكمة أن المجني عليها كانت معتادة على مغادرة المنزل 

لفترات طويلة، وأن المتهمَين، وهما والدتها ونجلها، كانا في حالة دفاع عن شرفهما ولم يكن لديهما قصد إزهاق روح المجني عليها"، مقتطفات من حيثيات تبرئة قاتل والدته في بورسعيد بمساعدة جدته، لأن الضرب الذي أحدث بها إصابات بالغة نُقلت على إثرها إلى المستشفى في حالة غيبوبة وماتت، لم يكن بغرض قتلها وإنما ضرب للدفاع عن الشرف.

"لم يكن العلماء هم من حرضوا على ثورة النساء، بل المشرّعون بمحاولاتهم الوحشيّة الفاشلة لترسيخ قواعد السلطة الباترياركية المتقلقلة"، تقول الكاتبة والباحثة الإنجليزية روزاليندا مايلز في كتابها: "من طبخت العشاء الأخير؟ تاريخ العالم كما ترويه النساء".

تتناول روزاليندا في الكتاب أبرز المحطات الإنسانية الفارقة في تغيير التاريخ ولكن من داخل الأروقة التي حُبست فيها النساء وأجبرن على مسايرة الأحداث على الرغم من كونهن فاعلات حقيقيات في مسار التاريخ فإن المؤرخ والراوي الذكر تعمد إغفال رؤيتهن، موضحة أن مرحلة بلورة التفكير النقدي والتساؤلات لدى الإنسان كشفت له وجود صراع أكبر من مجرد البقاء وهو التحقق والهيمنة.

وتقول مايلز: "عندما تحول الصراع من أجل البقاء، إلى الصراع الأصعب المتعلق بالبحث عن المعنى، أصبحت النساء محور التفكير الرمزي وآليته في الوقت ذاته"، وأدرك الرجل أن شريكه في الكوكب قد يتفوق عليه بما لديه من حق حصري في الإنجاب وهو الإنجاز الذي عجز عقل الإنسان الأول عن إدراكه، ووقف الذكر حائرًا عمَّا يستطيع جسد الأنثى الإتيان به وهو الحياة، ولا يمكن لجسده فعل المثل.

من جانبه أصر الطبيب النفسي فرويد على أن الفالوس (العضو الذكري) هو الذي حيَّر الأنثى وأصابها بعقدة نفسية، وحقدت بسببه على الذكر، مقاربة شديدة الكاريكاتورية أن جسد الأنثى الذي يملك الحياة ويجددها يتوتر بسبب غياب هذا العضو الذي يملكه الذكر.

وفي مصر وباسم الدين والمجتمع والعُرف والقانون أصبحت أجساد النساء بما تملكه من حياة ضمن الملكية العامة لكل ذكر عابر يحق له سؤالها والتدقيق في حياتها اليومية بحجة الحفاظ على السلوك العام، والملكية الخاصة بحجة الشرف والنسب، وأسهب المُشرِّع في حماية حقوق الملكية تلك بأن أباح للرجل حق استخدام المرأة كيفما يشاء وصولًا إلى القتل، في معاملة لا أدمية، دون أن يحق لها أن تسأله عما يفعله، فلا حق لها ولا مُعين.

ولن تجد المرأة من تستغيث به لأن المُشرع رجل، والمنوط بتطبيق القانون من شرطة وغيره رجال، ودومًا سيجد الرجل الدعم من بني جنسه حتى المسؤولين منهم، لأنه من الأساس دعم لذواتهم وحقوقهم هم أيضًا.

البعض من فئات المجتمع مثل رجال الدين والكثير من أصحاب الرأي يعترضون ربما على العنف كفكرة، ولكن يرون في عنف الرجال حقًّا ومبررًا لأسباب مختلفة، دفاعًا عن الشرف، أو تنفيسًا عن الضغوط والقهر وكأن المرأة ذاتها ليست مطحونة وبالكاد يمكنها أن تلتقط أنفاسها.

فالرجال وفي إطار منظومة الأسرة والزواج والعصب، مهما اشتد فقرهم فهم أثرياء بما يملكون من أنفار، زوجات وأطفال وأحفاد، لهم الحق في ملكية مطلقة وتحديد المصير، واعُتبرت هذه الأجساد ساحة انتصارات وهمية للرجال المرضى بأنواع مختلفة من العلل النفسية والأخلاقية والفكرية التي تضعهم في مصاف المجرمين، بداية من استباحتهم للأذى النفسي لكل أنثى في محيط حياتهم، ونهب حقوقهم المادية والأدبية، وصولًا إلى الضرب والتعذيب واغتصاب الأطفال وزواجهم بالقاصرات أو تزويج طفلاتهم دون رغبتهن.

والنساء في تلك المنظومة وفي المجتمع وبالقانون لا يملكن أي شيء، بل كل ما لديهن مُهدد بالقانون، مثل: حضانة الأطفال والميراث وغيرها من الحقوق التي تُسلب على مرأى ومسمع دون أدنى خجل، فالأنثى في مصر تعيش حياتها رهينة للرجل، بداية من والدها أو شقيقها أو أعمامها إلى أن تنتقل ملكيتها إلى رجل آخر.

هذه الملكية تضمن أثمن ما لديها وهو عذريتها، شرفها وشرف العائلة، لأن الرجل المصري لا يقوى على حمل شرف خاص بذاته، لأنه عبء كبير لا يمكن له حمله، بل ومُعطَّل ويحول دون الاستمتاع بحياة بلا قيد أخلاقي، فألقوا بمسؤولية حمله وحفظه على كاهل النساء، فلم يعد يعيب شريحة من الرجال المصريين سوء سيرتهم حتى وإن كانوا مختلين تشهد لهم جرائمهم، وتُعيلهم نساؤهم، طالما شهد له المجتمع بعفتهن.

في عام 2025 لا نزال في مصر ندفن النساء المقتولات بأيدي الرجال غدرًا، حيث الشرف والعذرية والجنس والجسد كلها أفكار تستحوذ على تفكير الرجال، ولكن لا يكف كل منبر ديني وفني وسياسي عن ترديد الكلام عن المجتمع المحافظ وقيم الأسرة المصرية.

ومن جهتها تبذل المؤسسات الأمنية التي لا تحمي النساء عادة، جهودًا جبارة للقبض على النساء بسبب محتوى يظهرن فيه يرقصن على سبيل المثال، وهو أقل ما يقال عنه إنه محتوى طبيعي ومألوف بل ومحبب ومطلوب من الجهات الأمنية ذاتها في أوقات مثل الانتخابات أو الحشد لإبراز دعم كاذب لبعض القرارات السياسية.

وأزهار العروسة التي أثبت الطب الشرعي فقدانها لغشاء البكارة حديثًا، ماذا لو لم تكن عذراء، لما استحقت تعاطف المجتمع، وهو رد الفعل شبه الموحَّد على وسائل التواصل الاجتماعي على كلمة رئيس محكمة جنايات أسيوط، لا يمكن بأي حال التعامل معه بالدقة ذاتها لاستطلاع رأي بشكل منظم خاضع لمقاييس علمية، ولكن يمكن اعتباره مرآة عاكسة لأقرب صورة ممكنة للمجتمع.

هذا الواقع الذي أبرز نفسه بشكل واضح، يدفع بسؤالين أولهما ما هي طبيعة المجتمع الذي يعاير أسرة مكلومة في ذبح طفلتهم في ليلة عرسها حتى وإن كانت مُذنبة من وجهة نظرهم، والسؤال الثاني ماذا لو لم تكن أزهار بكرًا هل كانت تستحق الذبح؟

والابن الذي تجرَّأ على قتل والدته بمساعدة جدته، لم يكن لديه أي حجة سوى أنها تخرج من المنزل لفترات طويلة، حجة القتل التي كانت كافية ليحصل بها على البراءة.

تقول مايلز في كتابها: "الرجال في مجتمعات الصيد والالتقاط لا يحكمون المرأة، ولا يستغلون عملها، كما لا يستحوذون على إنتاجها ولا يتحكمون فيه، ولا يمنعونها من التنقل بحرية كما تشاء. سلطتهم -إن وجدت- على أجساد النساء أو أجساد بناتهم، هي سلطة هشة.. كما أنهم لا يحولون العذرية أو العفة إلى فيتشيه جنسية".

صليب القبطيات

"شيلي صليبك يا ست منال" هكذا ردد قساوسة الكنيسة على مسامع السيدة منال طوال عشرين عامًا تشكو فيها عنف زوجها الذي اعتاد ضربها، وصور جسدها الدامي ورأسها المحلوق المخيط بغزر كقطعة قماش مهترئة صدمت مشاعر الجميع، الزوجة والأم والمُعيل الأساسي للأسرة وربما الوحيد، انتهت حياتها بمقتلها، وبشكل عام لا يرى القضاء في الزوج قاتلًا، وإنما هو ضرب أفضى إلى موت، استخدام آلات حادة والصعق الكهربي والإلقاء من النوافذ ممارسات بغرض التأديب وليس القتل طالما الضحية امرأة.

نجد من الرجال المسيحيين المحافظين من يُعلق على هذه الجريمة بتساؤلات للضحية، من بينها: لماذا لم تترك منزلها، لماذا لم تطلب المساعدة، لا يمكن لوم الكنيسة، ولكن لوم الضحية، واحدة من ملايين النساء في مصر حيث لا قانون يحمي ولا أهل يحتضنون، إما لعجز أو للشعور بالعار، ولا مساواة في فرص التعليم والعمل، ولا تمكين اقتصادي، ونسألها لماذا لم تخرج تهيم في الشوارع ينهشها الجميع، فالصبر على وحش واحد أهون طالما داخل جدران تستر جراحها.

هؤلاء المدافعون عن موقف الكنيسة المُعلن من واجب حمل النساء إلى صليب الضرب كما حمل المسيح صليبه، هم ذاتهم من يعارضون مناقشة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، لتخفيف معاناة الآلاف، بحجة: هكذا تسلمنا العهد من المسيح، ويجهلون أن البابا شنودة الراحل قام في عام 1971، في خضم وقت عصيب تمر به الدولة والجميع في حالة استنفار، بعمل تعديلات في لائحة 1938 التي كانت تعمل بها الكنيسة وألغى كل أسباب الطلاق، وحصرها في "لا طلاق إلا لعلة الزنا" ونشر ذلك في جريدة الوقائع المصرية.

السؤال ماذا دار في ذهن البابا شنودة في ظل وقت حساس أمنيًّا ومجتمعيًّا ومستقبليًّا، حتى يقرر فرض المزيد من التضييق على حياة الأقباط، ومما ألغاه كانت المادة 55 من اللائحة، التي تنص على: "إذا اعتدى أحد الزوجين على الآخر وإذا اعتاد إيذاءه إيذاءً جسيمًا يعرض حياته أو صحته للخطر جاز للمجني عليه أن يطلب الطلاق".

وأيضًا المادة 57 من اللائحة والتي تنص على: "أن يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالًا جسيمًا مما أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنوات متوالية".

هذه البنود الإنسانية الفطرية تمامًا، وما تُعرف الآن بـ"استحالة العشرة" بل وخطورة العشرة، قام البابا شنودة بإلغائها، ولكنه على سبيل المثال أبقى على المادة 37 من الفصل السادس من اللائحة، والتي تعطي الزوج الحق الحصري في إبطال عقد الزواج وتنص على:

"إذا وقع غشّ في شخص أحد الزوجين، فلا يجوز الطعن في الزواج إلا من الزوج الذي وقع عليه الغِشّ. وكذلك الحكم فيما إذا وقع غشّ في شأن بكارة الزوجة بأن ادعت أنها بكر وثبت أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها، أو خلوها من الحمل وثبت أنها حامل".

اللافت أن طقوس زفاف الأقباط الأرثوذوكس منذ أن يقف كل منهما أمام المذبح في صلاة الإكليل، يُكرر القس جملة: "الابن البكر والابنة البكر"، مشددًا على عذرية كل منهما، إلا أن الغش في العذرية تُعاقَب عليه العروس فقط، يُبطل الزواج ويحصل الزوج على تصريح زواج ثانٍ، وتُحرم الزوجة من حق الزواج الثاني وأي فرصة لحياة مستقرة.

السؤال إن لم يكن يحق للمرأة إبطال عقد زواجها لعدم عذرية العريس، لماذا يردد القس على مسامع الجميع هذه المعلومة عدة مرات، بل والعقد ذاته يشهد بأن العريس بكر، هل يعني هذا أن البند شكلي من باب الوجاهة الدينية، أن تستمر المسيحية المصرية في الترويج لأفكار العفة التي لم ينجح أحد في اختبارها حتى أكثرهم تشددًا، فتاريخ الكنيسة حافل بالحكايات عن السقطات الجنسية لرجال الدين.

وبالتالي العذرية كشرط في زواج المصريين مسيحيين ومسلمين، وفي كونها سببًا مقبولًا قانونيًّا واجتماعيًّا يستحق عملًا مكثفًا على قانون أحوال شخصية مدني بالكامل ولا دخل لأي شريعة إبراهيمية فيه.

وما يخص المسيحيين بشكل خاص، فإن قوانين الأحوال الشخصية لا تُطبق بشكل موحد، بل يتمتع الأغنياء، وأصحاب النفوذ، والمُقربون من دوائر رجال الكنيسة في الصف الأول، بالإضافة إلى أقباط المهجر، بحقوق لا يتمتع بها القبطي متوسط الحال الذي يمثل الشريحة الغالبة ويعيش في مصر.

وعلى سبيل المثال الحصول على الطلاق وتصاريح الزواج الثاني لكل الأطراف دون استثناء، يحصل عليها أبناء الفئة الأولى بدون أي مجهود أو قيود، بينما الفئة الثانية يعانون معاناة يعجز معها العقل والمنطق عن تفسيرها، وعار على الكنيسة المصرية هذه التفرقة التي باتت معلومة للجميع.

الشك في السلوك الأخلاقي، أو التوجس من لون قطرات الدم من فرج العروس، أو حتى بدون أسباب -فقط يكفي أن تكوني زوجة أحدهم- يجعل من نساء مصر أكبر جماعة مهددة بالخطر طوال الوقت خاصة وأن الجاني والمُشرع ومُطبق القانون رجال، فلم تنجُ العروس الشابة من القتل، والأم على يد ابنها، والزوجة على يد زوجها، لأن القتل وإن كان جريمة الجرائم بشكل عام، فإن النوع البيولوجي للضحية في مصر قد يحولها من جريمة إلى ضرب أفضى إلى موت، فلا يمكن أبدًا تصور أن رجلًا يطعن زوجته عشرات المرات ويصل جسدها بالكهرباء أنه ينوي قتلها!

"انتي موتي؟! آسف.. ما كانش قصدي!"