هوامش
أشرف إبراهيمهل تخوض مصر حربًا مع إسرائيل لمنع تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها؟
2025.09.21
مصدر الصورة : آخرون
هل تخوض مصر حربًا مع إسرائيل لمنع تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها؟
تشهد العلاقات المصرية-الإسرائيلية في عام 2025 توترًا غير مسبوق، على خلفية تصاعد الحرب في قطاع غزة وإصرار تل أبيب على دفع مسار التهجير القسري للفلسطينيين نحو سيناء. في مواجهة ذلك، تتمسك القاهرة بموقف واضح رافض لما تصفه بـ«الخط الأحمر» الذي لا يمكن تجاوزه، رافعةً شعار رفض التهجير بكل أشكاله.
هذا الاشتباك السياسي بين القاهرة وتل أبيب، المدعوم بضغوط أمريكية متزايدة، يضع العلاقات بين البلدين أمام اختبار هو الأشد منذ توقيع معاهدة السلام. ويستدعي المشهد الراهن قراءة معمّقة للأبعاد السياسية والعسكرية والاجتماعية التي تحكم مسار العلاقة، فضلًا عن تفحّص انعكاسات الحرب على الداخل الإسرائيلي المتصدّع بفعل الانقسامات والضغوط الشعبية.
موقف مصر من تهجير الفلسطينيين
حذرت مصر بصراحة شديدة من محاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين من غزة إلى أراضيها، معتبرة ذلك انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني وخطًّا أحمر لن تسمح به تحت أي ظرف. وشهدت الأشهر الماضية تحركات دبلوماسية مصرية مع أطراف إقليمية ودولية فاعلة، بينها مكالمات هاتفية مع الأردن والسعودية، وحشد للموقف العربي والدولي لرفض التهجير، إضافة إلى جهود وساطة لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح. وقد أكدت مصر أكثر من مرة استعدادها لمواجهة أي محاولة عسكرية أو أمنية تستهدف أراضيها، مع توجيه رسائل تحذير إلى تل أبيب عبر واشنطن من نتائج وخيمة لهذه المحاولات.
إلى جانب ذلك، تعزز مصر وجودها العسكري في سيناء، لتأمين الحدود وتأهبًا لأي تصعيد محتمل، ما يشير إلى أنها لا تتجه لخوض حرب مباشرة في الوقت الراهن، ولكنها توضح استعدادها لكل السيناريوهات بما في ذلك الرد العسكري إذا ما انتهكت حدودها.
العلاقات المصرية-الإسرائيلية في 2025
رغم اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، التي شكلت نموذج «السلام البارد»، شهدت الأعوام الأخيرة تآكلًا في أطر التعاون وتأرجحًا بين التوتر والحذر. الحرب على غزة والملف الفلسطيني أعادا العلاقات إلى مرحلة حرجة من التوتر، إذ تتبادلان الاتهامات وتتباعدان في المواقف.
إسرائيل من جانبها تمارس ضغوطًا على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين، رغم المعارضة المصرية الواضحة، كما تبدي استياءها من إدارة مصر لمعبر رفح الذي يعتبر شريان حياة لسكان غزة. تقارير إسرائيلية تشير إلى تدهور العلاقات إلى أدنى مستوياتها، مع تقليص الاتصالات الدبلوماسية وتنامي التوترات الأمنية على الحدود.
يضاف إلى ذلك استمرار الاعتماد الاقتصادي المصري على الغاز الإسرائيلي، ما يعقد المشهد، لكن الخلافات السياسية تميل إلى الهيمنة على العلاقة في الوقت الراهن، مع تحذيرات إسرائيلية من رد فعل مصري قوي إذا ما تم استهداف سيناء أو الأراضي المصرية بأي شكل.
تأثير التصعيد في اتفاقية كامب ديفيد
الحرب الإسرائيلية على غزة وانتهاكات إسرائيل للملحق الأمني للاتفاقية، مثل الدخول العسكري غير المنسق في منطقة رفح الحدودية، دفعت مصر إلى توجيه تحذيرات شديدة للإسرائيليين. وفق بنود كامب ديفيد، لا يسمح لإسرائيل بنشر قوات برية على الحدود دون اتفاق مسبق مع مصر، لكن التصعيد الأخير أدى إلى خرق هذه القواعد، ما خلق حالة من التوتر الشديد بين القاهرة وتل أبيب، وفتح الباب أمام احتمال تعليق أو حتى إنهاء كامب ديفيد من جانب مصر ردًّا على تلك الانتهاكات وحماية سيادتها وأمنها القومي.
الجانب المصري يرى أن استمرار التصعيد الإسرائيلي واستخدام القوة المفرطة ضد قطاع غزة، خصوصًا في رفح، يهدد أمن مصر بشكل مباشر، خصوصًا مع مخاطر التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، الأمر الذي لم يتم الاتفاق عليه ويعرض مصر لأزمة سياسية وأمنية وإنسانية هائلة. وقد أعلن المسؤولون المصريون علنًا أن هذه التطورات قد تدفع القاهرة إلى إعادة تقييم مشاركتها في كامب ديفيد، مع تهديدات معلنة بإنهاء الاتفاق إذا استمر المساس بالحدود المصرية أو تدهورت الأوضاع الأمنية.
ما الدور المصري المحتمل؟
تبنت مصر منذ بداية الحرب في غزة موقفًا يتمثل في الوساطة الفاعلة بين الأطراف المختلفة، ودعم جهود وقف إطلاق النار، فضلًا عن تقديم المساعدات الإنسانية وإدارة المعابر الحدودية مثل معبر رفح لتسهيل وصول الدعم إلى الفلسطينيين.
وحاولت لعب دورًا محوريًّا في الدفع نحو وقف إطلاق نار مستدام بين إسرائيل والفلسطينيين، من خلال التعاون مع دول فاعلة هي قطر والولايات المتحدة لتحقيق ذلك، مع التأكيد على رفضها التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة. القاهرة تعتبر نفسها صمام أمان إستراتيجي في المنطقة، وتسعى قدر الإمكان لمنع توسع النزاع إلى سيناء المصرية.
الدعم الإنساني وفتح المعابر
مصر تتحمل عبئًا كبيرًا في دعم سكان غزة عبر فتح معبر رفح لمرور المساعدات الإنسانية والجرحى، رغم الضغوط الإسرائيلية التي تحاول غلقه. كما تؤكد السلطات المصرية عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، وتركز في تخفيف معاناة المدنيين والحفاظ على الحقوق الفلسطينية، بما يتوافق مع القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
دبلوماسية مصر الإقليمية والدولية
تعمل مصر على تحريك المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات لوقف إطلاق النار ودعم حقوق الفلسطينيين، كما تحاول باستمرار استقطاب أطراف عربية ودولية للضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان، والحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية الخاصة بالقضية الفلسطينية. وقد أكدت مصر أن دورها دبلوماسي وإنساني يراعي أمنها القومي مع حماية حقوق الفلسطينيين، مع الحفاظ على التنسيق مع إسرائيل لتجنب صراع أوسع تتورط فيه مصر.
كيف تتفاعل أمريكا مع التوتر المصري الإسرائيلي؟
تتفاعل الولايات المتحدة مع التوتر المصري الإسرائيلي في المنطقة بدرجة عالية من الحذر والتوازن، حيث تسعى إلى إدارة الأزمة بطريقة تمنع تفاقم النزاع بين أكبر دولتين في المنطقة مع الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، وفي الوقت نفسه تدعم إسرائيل استخباريًّا وعسكريًّا دون تدخل عسكري مباشر.
- الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط في الخلافات بين مصر وإسرائيل، ووفق تقارير إسرائيلية، تغيرت الإستراتيجية الإسرائيلية للمطالبة بمزيد من الضغط الأمريكي على مصر، وذلك بسبب رفض مصر لأي وجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا الحدودي مع غزة، وهو موقع حساس في النزاع. ويرسل المسؤولون الإسرائيليون رسائل إلى الكونغرس الأمريكي من أجل زيادة الضغط على مصر للقبول بالشروط الإسرائيلية، بينما مصر ترفض هذه المحاولات وتصنفها تهديدًا لاستقرارها.
- الإدارة الأمريكية تقدم دعمًا استخباريًّا وعسكريًّا قويًّا لإسرائيل، مع توفير غطاء سياسي ودبلوماسي، لكنها تتجنب التدخل المباشر عسكريًّا، وتقاوم ضغوطات داخلية لدفعها إلى المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية، ساعية إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة.
الوساطة ودعم الاستقرار
- رغم التوتر بين الدولتين، تحافظ الولايات المتحدة على قنوات تواصل مع مصر وإسرائيل، وتحفز الوساطات المصرية لإنهاء الحرب في غزة، وتدعم القاهرة باعتبارها لاعبًا رئيسيًّا في المنطقة قادرًا على التوسط في وقف إطلاق النار وتخفيف الأزمة الإنسانية.
- في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، تبدي واشنطن موقفًا متوازنًا تأمل من خلاله تقليل الأضرار التي قد تنتج من تصعيد التوتر بين مصر وإسرائيل، وتسعى إلى الحفاظ على السلام الهش في المنطقة وتهدئة التوترات السياسية.
كيف استجابت واشنطن لتحذيرات مصر
استجابت الولايات المتحدة لتحذيرات مصر الأخيرة بتوازن يجمع بين دعم القاهرة من جهة ومحاولة تهدئة التوتر مع إسرائيل من جهة أخرى، مع استمرار التعاون الإستراتيجي والصراعات في بعض الملفات.
دعم عسكري وإستراتيجي لمصر
أعلنت الولايات المتحدة أخيرًا عن موافقتها على صفقة بيع منظومة صواريخ متطورة للدفاع الجوي لمصر بقيمة تقارب خمسة مليارات دولار، لتعزيز القدرات الدفاعية المصرية في ظل الاضطرابات الإقليمية والأزمات الأمنية المتصاعدة. الصفقة تعكس استمرار دعم الولايات المتحدة للقاهرة كشريك إستراتيجي في المنطقة رغم بعض الخلافات السياسية.
كما تستمر المناورات العسكرية المشتركة مثل "النجم الساطع" التي تعزز التعاون العسكري بين البلدين، مع تأكيد الولايات المتحدة على أهمية مصر كركيزة للاستقرار الإقليمي، ودعمها في مواجهة التحديات الأمنية، بما في ذلك الملف الفلسطيني وأزمة غزة.
مواقف وتحذيرات متبادلة
رغم الدعم، تبقى هناك توترات دبلوماسية، لا سيما في ملفات مثل تهجير الفلسطينيين من غزة التي رفضتها مصر بشكل قاطع، واصفة إياها بخط أحمر، ومصر وجهت تحذيرات مباشرة إلى إسرائيل عبر واشنطن من التعدي على حدودها وأمنها، وهو ما لاقى استجابات متباينة في السياسة الأمريكية بين التأييد لإسرائيل والاهتمام بالمخاوف المصرية.
رغم استمرار اتفاقية كامب ديفيد وغياب إشارات لانهيارها في المدى القصير، فإن الحرب أدت إلى فقدان الثقة وتراجع ملحوظ في مستوى العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، حيث شهدت العلاقات تخفيضًا غير معلن في التمثيل الدبلوماسي، مثل تأخير الرد على تعيين السفراء وسحب السفراء بصورة غير رسمية، إضافة إلى انضمام مصر لدعم قضايا دولية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية. وتصف التقارير التحول الحالي في العلاقات بأنه من «السلام البارد» إلى «التهديد الكامن».
الشارع المصري يشهد حالة من الغضب والرفض الشديد للسياسات الإسرائيلية في غزة، ما ينعكس على الخطاب الرسمي المصري المتشدد تجاه إسرائيل، ويرفع من منسوب التوتر ويرغم القيادة المصرية على تبني مواقف حازمة قد تصل إلى تغييرات في مستوى التنسيق الأمني والدبلوماسي.
القمة العربية الإسلامية
القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي عقدت في الدوحة قدمت تحديثات مهمة على صعيد الموقف من إسرائيل والتنسيق العربي والإسلامي الدفاعي والتحالفات الإقليمية، التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية
- أكدت القمة مركزية القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض لجميع اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية، مع رفض أي محاولة لإنكار هذه الحقوق أو تقويضها.
- جدد المشاركون رفضهم العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واعتبروه انتهاكًا خطرًا للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، ودعوا المجتمع الدولي إلى توفير الحماية الدولية للفلسطينيين وتأمين تأسيس دولة فلسطينية مستقلة متماسكة.
- أدانت القمة بشدة السياسة الإسرائيلية في الاعتداءات والتهجير، وركزت في دعم المقاومة الفلسطينية باعتبارها مشروعة ضد الاحتلال، مع التأكيد على ضرورة وحدة الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي.
يبقى الأهم أن القمة اكتفت بالإدانة اللفظية دون اتخاذ أي اجراء في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مثل قطع العلاقات أو تجميد اتفاقات السلام، او حتى تجميد التعاون الاقتصادي المتنامي مع الكيان الصهيوني.
التنسيق والتحالفات الإقليمية
لكن توحش الدولة الإسرائيلية وتصورها لدورها في إعادة تخطيط المنطقة حسب تعبيرات المسؤولين الإسرائيليين، يثير حالة من القلق بين حكام الدول العربية بل والإسلامية القريبة جغرافيًّا، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي أكدت عزم إسرائيل الانفراد بامتلاك القوة النووية وممارسة دور الشرطي بل والحاكم الفعلي الذي يحدد أدوار باقي الأطراف.
ثم جاء العدوان علي قطر ومحاولة قتل قيادات حماس والوفد المفاوض في الدوحة، ليؤكد للجميع أنه ليس هناك من هو في مأمن من الاعتداءات الصهيونية حتى لو امتلك علاقات قوية مع الكيان.
حفز سلوك إسرائيل العدواني وحالة القلق لدى الحكام من سعيهم إلى التعاون وتكوين تحالفات ربما تشكل بعض الردع للجموح الصهيوني، تنوع بين طلب الحماية الأمريكية مثل قطر التي وقعت اتفاقية جديدة لتعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة اعتبرت بمثابة تحالف عسكري والتزام أمريكي بالدفاع عن قطر في مواجهة أي عدوان عليها.
بينما اتجهت باقي الأطراف نحو تعزيز التعاون والتحالفات الإقليمية، بعد أن وقعت السعودية وباكستان اتفاقًا للدفاع المشترك يشمل اعتبار أي عدوان علي إحداهما بمثابة عدوان على الأخرى، ويشمل العمليات العسكرية المشتركة لردع العدوان.
كما فاجأت مصر وتركيا الجميع بالإعلان عن مناورات بحرية مشتركة واسعة تعد تطورًا لافتًا في ملف العلاقات بين البلدين بعد أن شهدت توترًا كبيرًا خلال السنوات الماضية التي أعقبت سقوط حكم الإخوان في مصر ورفض تركيا للأمر وتقديمها ملاذًا دعائيًّا لقنوات الإخوان ومستقرًّا لقياداتهم.
المؤكد أن المنطقة العربية تشهد حالة من عدم الاستقرار والتخبط الشديد من جميع الأطراف التي صدمت من حالة التوحش الإسرائيلية وعدوانها في كل الاتجاهات من غزة إلى الضفة إلى لبنان وسوريا وإيران واليمن وأخيرًا قطر، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتقد أغلب الحكام العرب القريبين منها أنهم محصنون من العدوان بغطاء أمريكي اكتشفوا أنه غير موجود أو على الأقل غير رادع للطموح الصهيوني في السيطرة على المنطقة.
لكن رد الفعل لم يكن علي المستوى المطلوب نتيجة تغلغل النفوذ الأمريكي بين حكام المنطقة وخضوعهم التام للسياسات الأمريكية بل وتسخير فوائضهم المالية الكبيرة لدعم الاقتصاد الأمريكي ومخططات ترامب الاقتصادية طمعًا في استمرار الدعم الأمريكي لعروشهم.
وتبدو المحاولات الإقليمية لتقديم نماذج تعاون اقتصادي وعسكري كتهديد للكيان الصهيوني بأن استمرار سياساته العدوانية ربما يؤدي إلى تقارب بين أطراف بينها خلافات كانت تبدو غير قابلة للحل، على أمل أن يخفف هذا التهديد من حدة العدوان الصهيوني، مع استعدادهم جميعًا لاستئناف التعاون وتوقيع الاتفاقات مع إسرائيل لو تنازلت عن جموحها العنيف الذي يشكل بالتأكيد إحراجًا كبيرًا للزعماء العرب ويجعل عروشهم تتآكل ويهدد استقرار حكمهم المدعوم أمريكيًّا.