حكايات عن بلدنا / حي السيدة زينب
زينب أبو المجدلغز المقام: هل جاءت السيدة زينب هنا؟
2025.06.22
مصدر الصورة : آخرون
لغز المقام: هل جاءت السيدة زينب هنا؟
سيضم هذا الملف سلسلة المقالات عن حي السيدة زينب، عن سِـرّ المسجد والمقام، وعن كثير من أمراء وسلاطين المماليك، وباشاوات وأغوات وسلاطين العثمانيين، ومحمد علي باشا وأولاده، والأجانب فرنساوية وإنجليز، والسيدات الثريات فاعلات الخير، الذين نزلوا منطقة السيدة وبنوا فيها مباني عظيمة وجميلة، للعلم والعبادة وخدمة الناس، مباني مختفية وسط الشوارع الضيقة للحي ولا يعرفها أحد، سنعيد اكتشافها وننفُض من فوقها تراب الزمن معكم.
أول حكاية سنقصها عليكم لابد وأن تكون عن أهم مكان في الحي: مسجد السيدة زينب نفسه، ويحتوي على مقامها المدفونة فيه، وفوق المقام قبة عظيمة منمَّـقة.
في واقع الأمر، لم يكن حي السيدة زينب دائمًا يحمل هذا الاسم، أخذ أسماء أخرى عديدة لقرون طويلة. والسبب أن مسجد السيدة وضريحها لم يكونا دائمًا موجودين فيه. لم يكن تاريخيًا هو أول مسجد بُني في تلك المنطقة، بل على العكس من أواخر المساجد التي ظهرت فيها.
السيدة زينب هي حفيدة النبي (ص)، بنت فاطمة بنت محمد (ض) وعلي بن أبي طالب (ض)، ومن المفترض أنها حضرت لمصر بعد أن شهدت مأساة كربلاء مع أخيها الحسين، وماتت ودُفنت هنا في عام 682م. لكن عبر مئات السنوات، جاءت دول مُسلمة ومضت أخرى في حُكم مصر، وحَكم الفاطميون نسل فاطمة الزهراء وجاءوا برأس الحسين من الشام وبنوا فوقها مقامًا هنا، ولم يقم أحد من وُلاة الأمر في كل تلك الدول بوضع شاهد قبر أو بناء مسجد لزينب في هذا الموضع.
بُنى أول مقام لزينب في هذا المكان بعد أكثر من ألف ومائة عام من وفاتها، ثم قام محمد علي باشا ومن بعده الخديوي توفيق ببناء مسجدها الضخم على شكله المشهور الذي نعرفه اليوم في القرن التاسع عشر، وبعدها فقط أصبح اسمه حي السيدة زينب.
فلنحاول هنا تتبع جذور الحي، وفك أسرار المسجد، وحلّ لغز المقام.
***
فتح المسلمون مصر قبل وفاة السيدة زينب بحوالي 40 سنة، ولما حصلت حادثة كربلاء كانت مصر تحت حكم الدولة الأموية. قام جيش الخليفة يزيد بن معاوية الأموي بقتل الحسين بن علي في العراق في سنة 680م، وكانت في صحبته أخته زينب، التي حملوها من أرض المعركة أسيرة لبلاط يزيد في دمشق. وأرسلها يزيد بعد ذلك للمدينة.
من هنا يبدأ اللغز ويثور الجدل.
لا يعرف أحد ما حدث لزينب بعد أن عادت للمدينة. هناك من يقول إنها ماتت ودُفنت هناك، ولكن لا شاهد قبر لها في البقيع بين بقية أقاربها من آل بيت النبي (ص). وهناك من يقول إن زوجها، وهو ابن عمها عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، قد أخذها للشام ليعيشا هناك في بستان كان يملكه قرب دمشق، وماتت ودفنت في محل مسجدها الكبير المعروف اليوم هناك. وأخيرًا هناك من يقول إنها أثارت القلاقل ضد يزيد في المدينة، فأمر بإخراجها منها وجاءت لمصر، وسكنت وماتت ودُفنت عندنا هنا، في محل المسجد.
من يقول إن زينب جاءت لمصر، يخبرنا أن والي يزيد واسمه مسلمة بن مخلد، أكرمها وأنزلها في داره في الفسطاط، عاصمة مصر وقتها. وداره تلك كانت تقع في منطقة اسمها الحمراء القصوى. سكنت زينب في الدار أقل من سنة، بالضبط 11 شهرًا و15 يومًا، وماتت ودفنوها في حجرتها بالدار في شهر رجب سنة 62هـ، الموافق لشهر مارس سنة 682م.
بعد مرور حوالي ٨٠٠ عام على وفاتها، كتب المقريزي كتابه الشهير "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، والذي وصف فيه كل شوارع القاهرة قديمها وجديدها في وقته، كتب عن الفسطاط ومنطقة الحمراء القصوى، وكتب قائمة كاملة لكل مقامات آل البيت —نسل النبي (ص)— المدفونين هنا ومواقعهم بالضبط. لكن لم يذكر المقريزي أن زينب سكنت وتوفيت في الحمراء القصوى، ولم يعُدّ لها ضريحًا من ضمن "مشاهد" آل البيت، بعد أن عدّ منهم مشهد أخيها الحسين. لم يذكر المقريزي أن زينب جاءت مصر.
حكى لنا المقريزي كيف عندما احتلت الحملات الصليبية القدس وبلاد الشام، لم يتمكن جيش الفاطميين الذي خرج لهم من مصر من هزيمتهم، لكن قام القادة بإخراج رأس الحسين من موضع مدفونة به في عسقلان، وعطّروها وأتوا بها للقاهرة في عام 1153م. زعمت الدولة الفاطمية أنهم أبناء الزهراء، وكل ما يخص نسل فاطمة بنت محمد (ص) كان مصدرًا رئيسيًا لشرعية خلفائهم من الشيعة. ولكن قبل وبعد جلب رأس الحسين، لم يذكر الفاطميون بأن لأخته زينب قبرًا عندهم في مصر.
المقريزي عاش ما بين عامي 1365م و1441م، بعد أن حكم مصر الأمويون ثم العباسيون ثم الفاطميون ثم الأيوبيون، والآن في زمنه يحكمها المماليك، ولم يقم أحد من خلفاء وسلاطين كل تلك الدول ببناء مقام لزينب هنا.
ومادام لم يَعُـدّ لزينب قبرًا فيها، لم يخبرنا المقريزي أن منطقة السيدة زينب كانت تحمل في زمنه هذا الاسم. يقول إنها ظلت تُعرف باسم الحمراء القصوى لقرون، ثم تحول اسمها لـ "خطّ خليج مصر" و"قناطر السباع"، بعد أن بنى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس فيها قناطر على الخليج المصري الذي كان يمتد عبرها موازيًا لنهر النيل، وكانت أحجار قناطره تلك منقوش عليها "سِباع" أي أسود ترمز لقوة حاكم دولة المماليك الجديدة.
***
ظهرت زينب للمرة الأولى وبشكلٍ مفاجئ في المنطقة بعد 800 عام من وفاتها، وبطريقة غريبة تُزيد من تعقيد اللغز. قرر أمير مملوكي غير مشهور أن يبنى لها مسجدًا، لكن بناه في شارع صغير يبعد عن مكان المسجد الحالي. لم يكتب المقريزي عن هذا المسجد لأنه بُني بعد وفاته بعقود، في سنة 1462م.
الأمير تنم الرصاص اعتقد في أسطورة حكاها أهل هذا الشارع، أن زينب عندما جاءت لمصر سكنت أولاً في بيت صغير بينهم، قبل أن يكرِّمها الوالي مسلمة بن مخلد وينقلها إلى بيت كبير في موضع مسجدها الحالي. قام الأمير تنم الرصاص ببناء مسجد لزينب في محل بيتها الصغير هذا، والناس في الشارع حتى اليوم يطلقون عليه اسم "مسجد السيدة زينب القديم". تزيد الأسطورة أن زينب كانت تقف خلف شباك هذا البيت لتوزيع الصدقات على الفقراء، فقام الأمير تنم باستخدام الشباك نفسه في واجهة المسجد بعد بنائه تبرُّكاً.
وفوق ذلك، يعتقد أهل الشارع أن البيت المواجه للمسجد به بئر مياه كانت زينب تتوضأ منها، وهذا البيت موجود حتى اليوم ومفتوح لزيارة الناس ويسمونه "البيت الزينبي".
مسجد السيدة زينب القديم يقع في الشارع الوحيد في الحي كله الذي يحمل اسمها، "حارة السيدة زينب"، تحديدًا عقار رقم 32 بتلك الحارة، وهو على بعد حوالي 250 متر فقط من مسجدها الحالي الكبير.
لن يعلم أحد يقينًا وربما مطلقًا إن كانت زينب قد عاشت في تلك الحارة، ولعل ذاكرة الناس تكون حقيقة، ويكون للأسطورة أصل!
مسجد السيدة زينب القديم
البيت الزينبي
***
مرّت ثلاثمائة سنة أخرى، ولم يظهر للسيدة مقامًا بالمنطقة بعد. ثم أخيرًا قام أحدهم ببناء مشهد لها في موضعه المعروف اليوم.
في سنة ١٧٦٠، بدأ أمير مملوكي اسمه عبد الرحمن كتخدا في إنشاء ضريح ومسجد لزينب، من ضمن مشروعات أخرى كثيرة للبناء أنفق عليها من أمواله وأوقافه داخل القاهرة.
اهتم عبد الرحمن كتخدا على الأخص بتعمير كل مقامات آل البيت الموجودة والمعترف بها فعليًا في وقته، كمثل مقام السيدة نفيسة والسيدة عائشة، ثم أضاف لهم مقامًا جديدًا لزينب بنت علي. يخبرنا الجبرتي في كتابه الشهير "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" عن مشروع عبد الرحمن كتخدا ويقول:
"وتولى عبد الرحمن كتخدا... وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وإبطال المنكرات... فأول عماراته السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني...وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقًا بخلاف طريق الرجال. وبنى أيضًا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين..."
بالرغم من أن مباني المماليك تظل قائمة شامخة لمئات السنوات دون أن يصيبها الخلل، يبدو أن عبد الرحمن كتخدا لم يستثمر بشكلٍ جدي في مشروع مسجد زينب هذا، حيث إن جدرانه مالت وآلت للسقوط بعد سنوات قليلة. ولذلك بعد ثلاثين سنة، قام أمير مملوكي لاحق اسمه عثمان بك المرادي بهدمه تمامًا وبدأ في إعادة بنائه، تحديدًا في سنة 1797م. ولكن هجم الفرنسيون على مصر في العام التالي، وتوقف العمل في المسجد وبقي وضعه على ما هو عليه.
***
لما نزلت الحملة الفرنسية مصر في سنة 1798م، أحضر نابليون بونابرت معه كما تعرفون عددًا ضخمًا من العلماء لدراسة وكتابة كل شيء عن مصر. بجوار مسجد السيدة المتهدم وعلى بعد أمتار قليلة منه، اختار علماء الحملة بيت فخم لأمير مملوكي هارب اسمه إبراهيم السناري وجعلوا منه مقرًا لعمل اللجنة العلمية لهم.
في بيت السناري هذا قام علماء الجغرافيا الفرنسيون برسم خريطة كاملة للقاهرة، وفي القلب منها منطقة السيدة أو الخليج المصري وقناطر السباع وقتها، ونشروها في كتاب "وصف مصر" الشهير. حددت خريطتهم كل المواضع الأثرية والمباني والمنازل المهمة في القاهرة كلها، ولم يضع الفرنسيون علامة على مسجد السيدة تدل على وجوده قائمًا وقتذاك.
خريطة الحملة الفرنسية لمنطقة السيدة الحالية
***
سيُكمل محمد علي باشا العمل الذي توقف في مسجد عبد الرحمن كتخدا المهدوم. لقد شارك محمد علي في هزيمة الفرنسيين كضابط مقاتل في جيش العثمانيين. وبعد رحيل الحملة، قام الباب العالي بتوليته مناصب عليا في ولاية مصر، ولكنه لم يصل لمنصب والي المحروسة بعد. نعرف أن محمد علي باشا ظل لسنوات يتقرب من النخبة المصرية من علماء وأشراف وأثرياء وأنفق الكثير على أعمال البر بين العامة، لأجل أن يكتسب الشعبية لديهم، أملًا في اختياره حاكم للولاية المهمة. وفي عام 1802م، شرع محمد علي باشا في إكمال بناء مسجد السيدة زينب الذي عطَّله وصول الفرنسيين، وأخرجه على أجمل وجه وأفضل بكثير مما كان.
وصف لنا الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار" مشروع الباشا وقال:
"عام 1217هـ (1802م): وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع. وكان من خبره أن هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174هـ (1760م) فلم يزل على ذلك إلى أن ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة 1212هـ (1797م)، فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا أعمدته وأرادوا عقد قناطره، فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى، فبقى على حالته إلى أن خرج الفرنسيس من أرض مصر وحضرت الدولة العثمانية .. إلى أن استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم لذلك فشرعوا في إكماله وتتميمه وتسقيفه .. فتمّ على أحسن ما كان، وأحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والأصباغ. ولما كان يوم الجمعة رابع عشرة حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة ..."
وبعد ثلاث سنوات، كما نعرف، سيحظى محمد علي باشا بالفعل بمنصب والي مصر، بناءً على اختيار مباشر من زعماء الشعب. وسيظل في هذا الكرسي وسيورثه لأبنائه وأحفاده من بعده، والذين سيقومون بالمزيد من البناء في المقام والمسجد.
***
طوال تلك القرون، كان إلى جوار مسجد السيدة الحالي بحيرة أو بركة صغيرة اسمها "بركة قارون"، وكتب عنها المقريزي في خُططه.
منطقة السيدة كانت قديمًا مليئة بالبحيرات أو بِرك المياه الكبيرة الممتدة، ذلك بالإضافة للخليج المصري الذي كان يفيض لها من نهر النيل ويقطعها من جنوبها لشمالها. وقام الأمراء والنخب ببناء البيوت الفخمة والمشروعات العامة بجوار الخليج وحول تلك البِرك للاستمتاع بهوائها اللطيف والأشجار الكثيفة حولها. منها بركة الفيل الشهيرة، والبركة الناصرية والتي حفرها السلطان الناصر محمد بن قلاوون ومحلها اليوم شارع الناصرية الشهير، ثم بركة قارون وكانت أصغرهم، وأطلقوا عليها أيضًا اسم بركة الفيل الصغيرة. حدد المقريزي موضع بركة قارون بالضبط، إلى الشرق من مسجد السيدة زينب الحالي. وقال إنها قديمًا كانت عامرة بالكثير من البنايات والدور العظيمة التي نشأت حولَها، ولكنها خَرِبت. وفي مكان تلك البنايات الآن –أي في وقت المقريزي- بستان وبعض البيوت وأرض حكر وطريق رئيسي.
خريطة لمواقع برك قارون والفيل والناصرية والخليج المصري
ويخبرنا علي باشا مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية" أن بقايا بركة قارون ظلت موجودة حتى قدوم الحملة الفرنسية، وعُرفت وقتها باسم بركة الملا. في كتاب "وصف مصر"، تبدو بركة قارون أو الملا أصغر حجمًا وتنحسر مساحتها.
سيتم ردم بركة قارون تمامًا في زمن الخديوي اسماعيل حفيد محمد علي باشا، وسيتيح ردمها توسيع مساحة مقام ومسجد السيدة، وسيفسح المكان لتمدد البيوت والشوارع في المنطقة المُلاصقة له.
***
وأخيراً أتي وقت بناء المسجد على الشكل الشهير الذي نعرفه اليوم، على يد الخديوي توفيق في عام 1880م. سيتم ذلك في وقت تعاني فيه الأسرة العلوية الحاكمة من أزمة ديون أوروبية يعقبها استعمار بريطاني، وتحتاج حتمًا لتجديد شرعيتها السياسية عند الأهالي.
يخبرنا علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية، وكان في الأصل مهندسًا وشغل مناصب وزارية في حكومة الأسرة العلوية، أن الخديوي إسماعيل ومن بعده الخديوي توفيق قاموا بردم الخليج المصري وكل برك المياه الموجودة في منطقة السيدة، لأجل بناء المشروعات الحكومية والسكنية الحديثة في محلها. اختفى الخليج المصري وأصبح اسمه شارع بورسعيد وتمددت على جانبية العمائر الحديثة، واختفت بركة قارون وحل محلها الشوارع والحارات وبيوت الأثرياء والطبقة الوسطى بجوار مسجد السيدة.
وساهم علي مبارك بنفسه في تخطيط وتعمير الأراضي من بقايا بركة قارون حول المسجد. كتب أنه في سنة 1869م، أثناء توليه منصب ناظر ديوان الأوقاف، كان يوجد على الجهة الشرقية من المسجد مقبرة مهجورة وبعدها أراضي فضاء خاوية ومزارع، فاشترى منها باسم الحكومة ما كان مملوكًا لأهالي، ثم حولها لحكر ووزع منها على من كان يرغب في حيازتها بغرض تعميرها، وبالفعل أخذ الكثير من الناس قطعًا منها وبنوا فيها، وتدريجيًا رُدِمت بقايا البركة. كتب علي مبارك أن هذا الحكر الذي كان بجوار المسجد:
"بعد قليل من الزمن صار خطًا عظيمًا به جملة شوارع وحارات وبيوت لكثير من الأمراء وغيرهم، وبهذا السبب ردم معظم البركة".
وكتب أيضًا أنه أثناء توليه منصب ناظر الأشغال العمومية في سنة 1881م، عمل على إزالة جميع التلال الموجودة بالمنطقة وتمهيد الأرض للمزيد من البنايات الحديثة.
تولى الخديوي توفيق الحكم بعد أن سقط أبوه الخديوي إسماعيل في الديون للأوروبيين وتم عزله في سنة 1879م. وعلى الفور في عام 1880م، بدأ توفيق في بناء المبنى العظيم لمسجد السيدة زينب الذي اشتهر في الصور القديمة للمنطقة. قام بهدم المبنى العتيق الذي بناه جده محمد علي باشا بالكامل، وأنشأ محله مبنى آخر ضخم هائل المساحة له منارة عالية وقبة مزخرفة، وتم وضع مقصورة نحاسية منمقة بالذهب على مقام زينب تحت تلك القبة.
وفوق ذلك، أخيرًا تم إنشاء ميدان السيدة زينب المواجه للمسجد، ميدان واسع شغل جزءًا مما تم ردمه من الخليج المصري وتم هدمه من قناطر السباع التي كانت فوقه.
اكتمل المسجد في عام 1886م، وافتتحه توفيق بينما حكومته خاضعه للورد كرومر المعتمد البريطاني في ذاك الوقت.
كتب علي مبارك:
"فى عهد حضرة الخديوي الأعظم والداوري الأفخم أفندينا محمد باشا توفيق، فأمر أدام الله دولته بتجديد المسجد، فشرع فى هدمه من ذلك العام، وابتدئ فى البناء سنة 1298هـ (1880م)، ثم شرع فى هدم القبة الشريفة عام 1299هـ وابتدئ بناؤها عام 1300هـ، وزيد فى اتساعها عما كانت عليه من الجهة الغربية والقبلية، وأدخل فى المسجد الجديد الرحبة التى كانت خارج المسجد القديم من الجهة البحرية وكانت مفروشة بالرخام ومحوطة بالدرابزين الحديد، وعليها قباب الخشب فى السقف الموضوع على البوائك وأعمدة الخشب التى على حد الرحبة مسمرًا بها الدرابزين، وقد كانت هذه الرحبة فى الخطة القديمة طريقًا مسلوكًا بين المسجد القديم وأماكن كانت على القنطرة .. فجعلت هذه الطريق رحبة تابعة للمسجد لما هدمت هذه الأماكن التى على القنطرة، وجعلت ميدانًا واسعًا قدام المسجد الشريف .. وقد فرغ من بناء هذا المسجد الجليل وتشييده وزخرفته مع منارته الجميلة الشكل والقبة الشريفة وتشييدها وزخرفتها، ووضع المقصورة التى من النحاس الأصفر المسقفة بالخشب النقى المزركش بالليقة الذهبية وغيرها من الألوان الجميلة على القبر الشريف 1304هـ (1886م) فجاء مسجدًا جميل الشكل بديع الحسن."
عندها فقط، بعد ردم الخليج المصري وكل البرك وبناء المقام والمسجد ثم الميدان على أحدث تصميم وطراز، سيتحول اسم المنطقة إلى السيدة زينب. سيختصرها الناس بمرور الوقت لـ "السيدة"، يعرفون من هي السيدة ولا يحتاجون لإكمال الاسم.
مسجد السيدة زينب الحديث بعد غام 1886م
***
سيزور مقام السيدة من وقتها الملايين من مريديها من جميع أنحاء مصر كل عام. وسيتم تجديد المسجد ومقصورة الضريح مرارًا طوال المئة وخمسين عامًا الماضية.
ولكن لم يحلّ أحد لغز المسجد والمقام بعد، وربما لن يُحَـلّ أبدًا.
ترشيحاتنا
