عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

حزب المساواة الاشتراكي

كيف يوظّف ترامب اغتيال كيرك لبناء نظام فاشي

2025.09.21

مصدر الصورة : آخرون

كيف يوظّف ترامب اغتيال كيرك لبناء نظام فاشي

 

إن اغتيال تشارلي كيرك يجري استغلاله من قِبل إدارة ترامب لتنفيذ هجوم منسّق على الحقوق الديمقراطية [i] ، وعلى المعارضة المتنامية ضد تحضيراتها لإقامة دكتاتورية على غرار الديكتاتورية البوليسية.

وكما حذّر موقع World Socialist Web Site في أعقاب حادثة إطلاق النار، فإن محبّي هتلر في إدارة ترامب يعملون وفق الدليل النازي المعروف. ففي عام 1930، حين كان النازيون يشقون طريقهم إلى السلطة، حوّلوا القتيل هورست فيسل، أحد أعضاء العاصفة النازية، إلى شهيد للقضية الفاشية. وفي عام 1933، وبعد أسابيع قليلة فقط من صعود هتلر إلى الحكم، استغلّ النظام النازي حادث الحريق الغامض في البرلمان الألماني (الرايخستاج) كذريعة لإنشاء دكتاتورية.

لقد قدّم اغتيال كيرك لترامب نسخة معاصرة من هورست فيسل وحريق الرايخستاج.

مؤامرة قلب الدستور

أوضح تعبير عن نوايا حكومة ترامب جاء يوم الجمعة (12 سبتمبر) عبر ستيفن ميلر، نائب كبير موظفي البيت الأبيض لشؤون السياسات ومستشار الأمن الداخلي. ميلر هو المهندس الرئيسي للبرنامج الفاشي للإدارة، والمكلّف بتحويل خطابات ترامب الهجومية إلى أوامر تنفيذية غير دستورية وإجراءات قمعية.

في خطاب يملؤه الهجوم على قناة فوكس نيوز مع شون هانيتي، هدّد ميلر بإعلان حرب على الحقوق الديمقراطية. زعم، دون أي دليل، أن إطلاق النار كان نتيجة لـ«إرهاب محلي» مصدره اليسار. وقال: «عندما ترى حملات ممنهجة للكشف عن بيانات الناس، حيث يصف اليسارُ بعضَهم بأعداء الجمهورية أو بالفاشيين… فهم يحاولون إلهام شخص ما لقتلهم. هذا هو هدفهم، وهذه نيتهم».

تأتي هذه التصريحات في وقت لم يُعرف فيه بعدُ أي دافع للقاتل المشتبه فيه، الذي ينتمي إلى عائلة جمهورية في ريف يوتا. لكن الدوافع الحقيقية للمهاجم تبقى غير ذات صلة بخطط إدارة ترامب.

وجّه ميلر سُمومه إلى الطبقة العاملة وكل قطاعات الشعب الأمريكي التي يُشتبه في عدم ولائها للديكتاتور الطامح. خصّ بالذكر «الموظفين الفدراليين»، و«المعلّمين»، و«العاملين في قطاع الصحة»، و«الممرضات»، و«الأساتذة الجامعيين»، متّهمًا إياهم زورًا بأنهم «يحتفلون باغتيال تشارلي كيرك».

وفي تصريح فاضح يورّط كيرك نفسه وميلر في مؤامرة إجرامية لقلب الدستور، ختم ميلر بالإشارة إلى ما ادّعى أنها «الكلمات الأخيرة» التي وجّهها إليه كيرك: أن الولايات المتحدة يجب أن «تفكّك وتواجه المنظمات اليسارية المتطرفة في هذا البلد».

وتحت قيادة ترامب، تعهّد ميلر بتحقيق ذلك «بأي وسيلة ضرورية»، بما فيه استخدام تهم الابتزاز، والاتهامات بالتآمر، وتهم التمرد. كل من يعارض ترامب سيُصنّف كـ«إرهابي محلي»، ويُحرم من وظيفته وموارده المالية، بل وربما يُزج به في السجن. هانيتي صادق على تهديدات ميلر بقوله: «أحسنت القول».

العدو الداخلي

هذه لغة الحرب الأهلية. بالفعل، أعلن ستيف بانون، كبير إستراتيجيي ترامب السابق وأحد أبرز أصوات حركة «اجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، قائلًا: «لقد أعلن اليسار الحرب على أمريكا»، مضيفًا أن «ترامب رئيس في زمن الحرب».

صحيفة نيويورك تايمز علّقت على هذا التصريح بقولها: «إن تصور ترامب كرئيس في حالة حرب ضد بعض من شعبه يوضح مدى اختلاف رئاسته». وأضافت أن ترامب «تخلّى عن شعارات الوحدة الوطنية المعتادة، وأعلن بدلًا من ذلك أن أكبر تهديد يواجه الولايات المتحدة هو العدو الداخلي».

العدو الداخلي، بحسب هذا الخطاب، هو الطبقة العاملة والطلاب وكل من يعبّر بأي شكل عن معارضة للنظام الفاشي.

لكن ترامب لا يتحرّك منفردًا. إنه يتحدث ويحكم باسم الأوليجاركية الأمريكية. فقبل أيام قليلة من مقتل كيرك، استضاف ترامب عشاءً خاصًّا في البيت الأبيض مع أبرز المليارديرات من قادة الشركات الكبرى. وأمام الكاميرات، أغدقوا عليه المديح وتعهدوا بدعمه.

وخلف الكواليس، يمكن الافتراض أنهم ضغطوا عليه لتقديم ضمانات حديدية بأن إدارته ستفعل كل ما يلزم للدفاع عن أرباحهم وثرواتهم الخاصة ضد مخاطر الصراع الطبقي المتصاعد.

الطبقة الحاكمة تنفذ هجومًا شاملًا على الطبقة العاملة: خفض البرامج الاجتماعية، وتفريغ قطاع الصحة العامة، وتسريع وتيرة الاستغلال، والتحضير لحرب عالمية. ويجري ذلك في ظل ظروف عدم استقرار حاد: اقتصاد مثقل بالديون، وركود عالمي وشيك، وصراعات جيوسياسية آخذة في التفاقم وقد تنزلق إلى مواجهة عالمية.

الأوليجاركية تدرك أن هذه الأوضاع ستنتج مقاومة متفجّرة. وتعلم أن التركّز غير المسبوق للثروة في أيدي نخبة ضئيلة يعني أن نهوض العمال سيطرح حتمًا السؤال الأساسي: من يسيطر على موارد المجتمع؟ الأوليجاركيون أم الغالبية الساحقة التي تنتج هذه الثروة؟

رد الفعل في وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية على مقتل كيرك تمثّل في تطبيع سياساته الفاشية، مع دفع الإطار العام أكثر نحو اليمين. أي ذكرٍ لسجله في العنصرية أو معاداة السامية أو دعواته إلى القمع جرى استبعاده، وفي بعض الحالات صار سببًا لفقدان الوظيفة لمجرد قول الحقائق الموثقة عمّا قاله كيرك ومثّله.

أما الحزب الديمقراطي فاستجاب بمزيج من الجبن والتواطؤ. فباعتباره حزب وول ستريت، يخشى أكثر من أي شيء أن يضفي شرعية على معارضة جماهيرية حقيقية ضد إدارة ترامب. اكتفى بترديد مانترا جوفاء: «لا مكان للعنف السياسي في أمريكا»، مقرونة بإدانات شكلية لـ«العنف من الجانبين». والرسالة الضمنية واضحة: أن الولايات المتحدة تعاني من العنف من اليسار كما من اليمين.

لكن هذا تزوير فاضح. الواقع أن العنف السياسي في أمريكا جاء تاريخيًّا في الغالب من اليمين.

القتل المشروع

لقد تشكّلت الحركة العمالية عبر معارك ضد كاسري الإضرابات المسلحين، وقمع الشرطة، والحرس الوطني. من إرهاب عصابات الإعدام في العشرينيات والثلاثينيات، إلى اغتيالات قادة الحقوق المدنية في الستينيات، إلى تفجير تيموثي مكفي لمبنى أوكلاهوما الفيدرالي عام 1995، كان العنف دائمًا سلاح القوى الفاشية والدولة الرأسمالية.

القتل المشروع قانونيًّا من قبل الدولة حقيقة سياسية راسخة في الولايات المتحدة. فمنذ تنفيذ حكم الإعدام بالرصاص في جاري جيلمور بولاية يوتا في يناير 1977 -وهو الأول بعد رفع المحكمة العليا الحظر المؤقت على عقوبة الإعدام- جرى إعدام نحو 1600 شخص في البلاد.

ومنذ عام 2015، قُتل أكثر من 13 ألف شخص على أيدي الشرطة الأمريكية.

عمليات القتل الجماعي ذات الدوافع السياسية نُفذت في الغالب على يد أفراد مدفوعين بأيديولوجية فاشية يمينية: مذبحة 9 من المصلين السود في كنيسة تشارلستون عام 2015، مقتل 11 شخصًا في كنيس «شجرة الحياة» في بيتسبرج عام 2018، مذبحة 22 شخصًا في متجر «وول مارت» في إل باسو عام 2019، استهدفت المكسيكيين بشكل صريح، إطلاق النار الذي قتل 10 أشخاص في متجر بوفالو عام 2022، بدافع «نظرية الاستبدال العظيم» التي روّج لها كيرك وآخرون، إضافة إلى جريمة قتل 3 أشخاص في متجر بولاية فلوريدا عام 2023، بدافع عنصري.

الحوادث البارزة للعنف السياسي اليميني تشمل محاولة الانقلاب في 6 يناير 2021، مؤامرة اختطاف حاكمة ميشيجان جريتشن ويتمير، الاعتداء على زوج نانسي بيلوسي، وإطلاق النار من قبل كايل ريتنهاوس الذي احتفى به ترامب وحلفاؤه.

وفي الخارج، تكرّر النمط ذاته: مذبحة كرايستشيرش في نيوزيلندا عام 2019 التي قتلت 55 شخصًا، ومجزرة أندرس بريفيك في النرويج عام 2011 التي أودت بحياة 77 شخصًا.

حرب ترامب

تحت إدارة ترامب، بات العنف الفاشي مدمجًا بشكل مباشر ومتزايد في الدولة ومشجَّعًا منها. خلال ولايته الأولى، ثم بصورة متصاعدة في ولايته الثانية، اتبع ترامب إستراتيجية واضحة لتشريع الميليشيات، وتمجيد القتل على يد الشرطة، وإطلاق العنان للقمع الرسمي.

اليوم، ينشر ترامب الحرس الوطني أو يهدد بنشره في مدينة تلو الأخرى. احتلت القوات العاصمة واشنطن نحو شهر. هدد ترامب بشن «حرب» على شيكاغو، حيث قُتل عامل مهاجر في مداهمة نفذتها سلطات الهجرة الأسبوع الماضي، كما هدّد بإرسال قوات إلى ممفيس. وتشير تقارير إلى أن نحو ألف من قوات الحرس الوطني يتم حشدهم لنشرهم في لويزيانا.

الخطر الكبير يكمن في الفجوة الواسعة بين حجم هذه المؤامرات ومستوى الوعي الشعبي بما يحدث. يجب أن يتغير هذا الواقع. أفعال ترامب لا تحظى بدعم شعبي واسع. الشعب الأمريكي بمجمله لا يريد الدكتاتورية ولا الفاشية. الاتجاه العام هو المعارضة، لكن يجب تنظيمها بشكل واعٍ وجماعي.

وعلى النقيض من اليمين السياسي، رفض اليسار الاشتراكي دومًا أعمال الإرهاب الفردية، ليس بدافع الخوف الأخلاقي، بل لأن العنف الفردي يضلّل الطبقة العاملة، ويمنح الطبقة الحاكمة ذريعة للقمع، ولا يساهم في تطوير الوعي السياسي للعمال. المنظور الاشتراكي متجذّر في التعليم والتنظيم والعمل الجماعي للطبقة العاملة.

ضد المؤامرة الفاشية

يدعو موقع World Socialist Web Site وحزب المساواة الاشتراكي إلى تطوير حملة قوية ضد المؤامرات الفاشية لإدارة ترامب. ومهما وُجد من خلافات سياسية بين المنظمات ذات الطابع اليساري، فلا بد من التزام لا لبس فيه بالدفاع عن الحقوق الديمقراطية.

سيعارض الحزب والموقع كل محاولة لقمع أو تجريم المعارضة الديمقراطية والتقدمية واليسارية. وسيدافعان عن جميع المنظمات والأفراد المستهدفين من إدارة ترامب، بغض النظر عن اختلافاتهم السياسية مع برنامج الحزب ومواقفه.

إن حزب المساواة الاشتراكي يدعو إلى تنظيم معارضة جماهيرية لمؤامرة ترامب لإقامة دكتاتورية.

لا يمكن أن يكون هناك دفاع جدي عن الحقوق الديمقراطية ما لم يكن متجذرًا في الطبقة العاملة وموجهًا ضد زمرة الأوليجاركية المالية والشركات الكبرى. أما الاعتماد على الحزب الديمقراطي لمواجهة الفاشية فلن يؤدي إلا إلى الهزيمة والدكتاتورية.

المبادرة لمقاومة الدكتاتورية يجب أن تنبع من التنظيم الاجتماعي والسياسي المستقل للطبقة العاملة.

إن تشكيل لجان قاعدية في كل مصنع ومكان عمل لتنظيم الدفاع عن الحقوق الديمقراطية وتنسيقه أمر عاجل وضروري. ويجب أن يُدار هذا النضال إستراتيجيًّا على أساس أن الدافع نحو الدكتاتورية الفاشية لا يأتي من شخص سيئ واحد، مثل دونالد ترامب، بل ينشأ من داخل النظام الرأسمالي نفسه.

إن التركّز الهائل للثروة والسلطة في أيدي شريحة صغيرة جدًّا من السكان يتعارض جوهريًّا مع الديمقراطية.

هدف المؤسسة الإعلامية والسياسية هو إخافة الجمهور، وصناعة هالة من قوة اليمين التي لا تُقهر. لكن الواقع أن أعظم قوة كامنة غير مستغلة في الولايات المتحدة والعالم هي الطبقة العاملة. فأي فعل جماعي من العمال في المصانع وأماكن العمل له أهمية لا نهائية، كما قال تروتسكي، مقارنة بأعمال الطفيليات الفاشية.

المهمة العاجلة هي تعبئة تلك القوة في حركة موحّدة لوقف الدكتاتورية والدفاع عن أبسط الحقوق الديمقراطية. إن النضال ضد الفاشية لا ينفصل عن النضال لإنهاء هيمنة الأوليجاركية المالية والنظام الرأسمالي.

انشروا هذا البيان على أوسع نطاق بين زملائكم في العمل والدراسة، وجيرانكم وأصدقائكم.

وندعو كل من يتفق مع الإستراتيجية والتحليل الواردين في هذا البيان إلى التواصل والانضمام إلى حزب المساواة الاشتراكي.


[i] نُشر التقرير بتاريخ 14 سبتمبر في موقع www.wsws.org.