هوامش
حزب المساواة الاشتراكي الأمريكيقضايا الطبقة في انتخابات بلدية نيويورك
2025.11.01
مصدر الصورة : آخرون
قضايا الطبقة في انتخابات بلدية نيويورك
م يتبقَّ سوى أقل من أسبوع على يوم الاقتراع في مدينة نيويورك [i] ، بينما بدأت عملية التصويت المبكر بالفعل. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن زهران ممداني، العضو في «الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA)»، يتجه نحو الفوز بمنصب العمدة، وهو ما يعني أن شخصًا يقدّم نفسه بوصفه اشتراكيًّا سيصبح عمدة أكبر مدينة في الولايات المتحدة، وموطن وول ستريت، مركز الرأسمال المالي العالمي.
خلال العام الماضي، انتقل ممداني من شخصية شبه مجهولة إلى الفوز على الحاكم السابق أندرو كومو، مرشّح المؤسسة السياسية في المدينة، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو. ومنذ ذلك الحين، حافظ ممداني على تقدّم مريح في الاستطلاعات على كومو، الذي خاض السباق كمرشح مستقل، وعلى الجمهوري الشعبوي كيرتس سليوا.
يعكس الدعم الواسع لحملة ممداني حالة سخط عميقة تجاه السياسات المؤيّدة للشركات التي انتهجها الحزب الديمقراطي، التي طبّقها كومو بلا هوادة طوال سنوات حكمه في ألباني. يشعر العمال والشباب بالاشمئزاز من تماهي الديمقراطيين مع ترامب، ويسعون إلى وسيلة للرد على مستويات غير مسبوقة من اللامساواة، وارتفاع الإيجارات، والأجور الزهيدة، والحروب التي لا تنتهي، والإبادة الجماعية في غزة، وحملات مداهمة المهاجرين التي تقودها وكالة «ICE» (وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة).
تجري الانتخابات في نيويورك في ظل مؤامرة متصاعدة من إدارة ترامب، المدعومة من فصائل نافذة في الأوليجاركية، لفرض دكتاتورية فاشية في الولايات المتحدة. وقد شمل ذلك نشر، أو التخطيط لنشر قوات عسكرية في أنحاء البلاد، إلى جانب الهجوم الواسع على الطبقة العاملة من خلال الإغلاق الحكومي.
إذا فاز ممداني، فستتحول نيويورك فورًا إلى ساحة المعركة التالية في حرب ترامب ضد الطبقة العاملة. فقد أرسل الرئيس في الأسبوع الماضي إشارة إلى ما ينتظر المدينة، حين نشر فرق «ICE» المدججة بأسلحة عسكرية في جنوب مانهاتن، حيث نفّذت حملات اختطاف للمهاجرين والمواطنين على حد سواء. ولم يتوقف ترامب عن التهجّم على ممداني بلغة فاشية، واصفًا إياه بأنه «مجنون شيوعي بنسبة 100%». كما دعا بعض الجمهوريين في الكونجرس إلى ترحيل ممداني، رغم أنه مواطن أمريكي متجنّس.
هناك معارضة متنامية وواسعة لدكتاتورية ترامب، ظهرت في خروج ملايين المتظاهرين في مسيرات «لا ملوك» في 18 أكتوبر. وهذه هي الحالة الشعبية التي خاطبها ممداني واستند إليها صعوده.
مع ذلك، لا يدعو «حزب المساواة الاشتراكي» إلى التصويت لممداني، أو لأيٍّ من منافسيه. فبرنامجه السياسي ليس طريقًا حقيقيًّا لمواجهة الأوليجاركية والدكتاتورية، بل فخ سياسي.
هناك، أولًا، مسائل مبدئية أساسية. فالنداء للتصويت لمرشح يعني تحمّل مسؤولية برنامجه السياسي. ورغم ادعائه الاشتراكية، فإن ممداني سياسي ديمقراطي، والحزب الديمقراطي حزب رأسمالي، حزب وول ستريت والإمبريالية الأمريكية. ويثبت مجمل التجربة السياسية أن العمال والشباب لا يمكنهم التقدّم خطوة واحدة داخل إطار الحزب الديمقراطي.
وفيما يتعلق بالقضايا المطروحة في هذه الانتخابات، فيسعى ممداني، ومعه الـ«الاشتراكيون الديمقراطيون»، إلى توجيه المعارضة مجددًا نحو الحزب الديمقراطي عبر ترويج وهم إمكانية دفع الحزب نحو اليسار وتحويله إلى أداة لخدمة العمال. غير أن حملة ممداني نفسها تكشف زيف هذا الادعاء.
على مدى الأشهر الخمسة الماضية، حرص ممداني كل الحرص على طمأنة أصحاب المليارات الذين يدّعي معارضتهم. وفي خضم الإبادة الجارية في غزة، تراجع عن مواقفه المدافعة عن الفلسطينيين، معلنًا أن لإسرائيل «حقًّا في الوجود»، وأن على «حماس أن تلقي سلاحها».
وخضوعًا لضغوط اليمين، أعلن ممداني الأسبوع الماضي نيته الإبقاء على الوريثة المليارديرة جيسيكا تيش مفوّضةً لشرطة نيويورك، وهو مطلب رئيسي لقطاع الأعمال كإشارة إلى أن جهاز الدولة القمعي سيظل تحت قيادة موثوقة في ظل الأوضاع الاجتماعية المتفجرة.
ورغم خطاب ممداني المناهض للأوليجاركية، فإن برنامجه لا يتجاوز الدعوة إلى إصلاحات ليبرالية محدودة: تجميد زيادات الإيجار لنصف سكان المدينة تقريبًا، وتخفيض بسيط في تكاليف النقل لفئات من الركاب، وتوسيع برامج رعاية الأطفال الممولة من الدولة عبر زيادة طفيفة على ضرائب الأثرياء. وحتى إذا نُفذت هذه التدابير، فلن تعالج الأزمات التاريخية التي تواجه الطبقة العاملة.
ومع ذلك، يتعرض ممداني لهجوم من أجنحة داخل المؤسسة الديمقراطية. فقد سخر كومو من مقترحاته بوصفها أوهامًا، وأطلق حملة تشويه شرسة تتهمه بالتطرف الإسلامي. كما رفض أعضاء وفد نيويورك في مجلس الشيوخ دعم مرشح حزبهم، بينما لم يعلن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز تأييده إلا الأسبوع الماضي.
تسعى هذه المناورات داخل الحزب الديمقراطي إلى إبقاء ممداني تحت السيطرة، مع الدفع بنماذج أخرى مثل ميكي شيريل، الضابطة السابقة في البحرية ومرشحة حاكمة نيوجيرسي، والضابطة السابقة في CIA أبيجيل سبانبيرجر في فرجينيا، لتكونا نموذجًا لانتخابات منتصف 2026.
وقد تجلّى سلوك الديمقراطيين في الـ«الاشتراكيين الديمقراطيين» حين صعد ممداني على المسرح في تجمع جماهيري في كوينز الأسبوع الماضي لإنقاذ حاكمة الولاية كاثي هوكول من هتافات الجمهور المطالبة بـ«فرض ضرائب على الأغنياء»، رافعًا يدها أمام 13 ألف مشارك لتهدئة الحشد.
يسير ممداني على خطى التضليل السياسي التي رسمها بيرني ساندرز ولاحقًا ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، وكلاهما ظهر معه على المنصة في التجمع نفسه.
على مدى قرابة عقد، لعب ساندرز دور الصاعق السياسي الذي يمتص موجات الغضب الشعبي، موهمًا الجماهير بإمكانية إصلاح النظام من الداخل، ثم عاد ليصطف خلف مرشحي وول ستريت والبنتاجون هيلاري كلينتون وجو بايدن. وعلى صعيد السياسة الخارجية، ساند ساندرز الإمبريالية الأمريكية، بدعمه حرب الناتو ضد روسيا في أوكرانيا وتمويل إسرائيل.
أما أوكاسيو كورتيز، عضوة الـ«الاشتراكيين الديمقراطيين»، فقدّمت نفسها كمعارضة داخل الحزب الديمقراطي، لكنها أثبتت ولاءها للنظام الحاكم، إذ صوتت لتجريم إضراب عمال السكك الحديدية عام 2022، ودعمت تمويل إسرائيل في أثناء مذابحها في غزة، مطالبة مؤيديها بـ«التصرّف بعقلانية» ودعم بايدن.
بات الـ«الاشتراكيون الديمقراطيون» يؤدي دورًا متزايد المباشرة في السياسة البرجوازية المؤسسية. وهذه ظاهرة دولية، فقد قام أمثال جيريمي كوربن في بريطانيا لسنوات بتوفير غطاء يساري لأحزاب برجوازية تنفذ سياسات التقشف في الداخل وحروبًا إمبريالية في الخارج. وأُقصي كوربن نفسه لاحقًا بزعم «معاداة السامية اليسارية»، ما فتح الطريق لكير ستارمر الذي يقود حزب العمال اليوم ببرنامج رجعي.
وفي اليونان، أظهرت تجربة سيريزا حقيقة اليسار الزائف حين يصل إلى السلطة، فبعد أشهر فقط من فوزه في انتخابات 2015، تراجع الحزب عن وعوده بمواجهة البنوك الأوروبية، وتجاهل نتيجة استفتاء شعبي، وفرض سياسات تقشف قاسية، ممهدًا الطريق لليمين المتطرف. وقد تكررت هذه التجارب مرارًا في دول عدة.
إذا فاز ممداني، فقد أظهر طوال حملته أنه لن تكون هناك فروقات حقيقية بين إدارته وإدارة كومو.
المشاعر التي تدفع العمال والشباب لدعم ممداني -الرفض للدكتاتورية واللا مساواة والحرب- لا يمكن أن تجد طريقها إلى التحقق عبر حملته، ولا ضمن إطار الحزب الديمقراطي. كما كتب حزب المساواة الاشتراكي عقب فوزه في الانتخابات التمهيدية في يونيو: «أكّد الحزب مرارًا أن الاتجاه السائد داخل الطبقة العاملة، في الولايات المتحدة وخارجها، هو نحو الراديكالية السياسية ومناهضة الرأسمالية. وتؤكّد انتخابات عمدة نيويورك هذا التقدير. لكننا لا نخلط بين الإشارة والمآل. ندرك أهمية فوز ممداني، لكننا لا نغفل حقيقة أن نجاحه الانتخابي لن يغيّر طبيعة الدولة ولا الطابع الطبقي للحزب الديمقراطي ولا الطابع العنيف والقمعي للرأسمالية الأمريكية».
وقد أكدت تطورات الأشهر الأربعة الماضية صحة هذا التقييم. فترامب صعّد بشكل عنيف مؤامرته الديكتاتورية، بينما لم يفعل الديمقراطيون شيئًا لإيقافه، بل تعاونوا في تدمير الوظائف والبرامج الاجتماعية والحقوق الديمقراطية. أما ممداني والـ«الاشتراكيون الديمقراطيون»، فقد كشفوا عجز رؤيتهم بالكامل عبر سعيهم لصرف المعارضة الشعبية خلف نفس المؤسسة الرأسمالية المسؤولة عن الأزمة.
يصر حزب المساواة الاشتراكي على أن النضال ضد الحرب والدكتاتورية واللامساواة لا يمكن أن يمر عبر أوهام «الديمقراطيين التقدميين»، أو عبر مؤسسات النظام الرأسمالي. بل يتطلب تعبئة سياسية مستقلة للطبقة العاملة -في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم- على أساس برنامج اشتراكي. على الطبقة العاملة، بوصفها الأغلبية الاجتماعية الكبرى، أن تنظم نفسها كقوة سياسية واعية تتولى السلطة، وتصادر ثروات أصحاب المليارات، وتعيد بناء المجتمع على أسس المساواة والسلام والحاجات الاجتماعية، لا الربح الخاص.
على الطبقة العاملة أن تتدخّل كقوة سياسية مستقلة، مسلّحة ببرنامج اشتراكي. ويدعو حزب المساواة الاشتراكي كل العمال والطلاب والشباب الرافضين للدكتاتورية والحرب واللامساواة إلى خوض هذا النضال.