عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

دراسات

صفاء شاكر

تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران – الجزء الثالث

2025.07.13

مصدر الصورة : ويكبيديا

تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران – الجزء الثالث

 

في عام 1955 جرى لقاء بين السفير المصري بطهران "محمد حسن الزيات" وبين رئيس الوزراء الإيراني "حسين علاء"، فيما يخص صفقة الأسلحة التشيكية لمصر، وأشار الأخير إلى تفاقم الحالة بين إسرائيل والدول العربية في الآونة الأخيرة ما يهدد بقيام حرب قد يمتد لهيبها إلى إيران. استفسر رئيس الوزراء عن الأسلحة التشيكية وأبدى قلقه من انتشار الشيوعية في مصر، وقد ذكر السفير المصري "فأفهمناه بأنها صفقة تجارية بحتة بدون شروط وأنها كانت فردية للدفاع عن النفس بعد أن تكررت اعتداءات إسرائيل، وبعد امتناع أمريكا وإنجلترا عن مد الدول العربية بالسلاح اللازم، وأضفنا أن إسرائيل نفسها قد سبق واستوردت أسلحة تشيكية، وأنه لا وجود لخطر تسرب الشيوعية مع الأسلحة التشيكية وأن أمريكا تخشى على ربيبتها إسرائيل وليس من انتشار الشيوعية". ونقل السفير المصري عن مصدر موثوق به أن "جلالة الشاه قد حدَّث أعضاء مجلس الوزراء، بأن هذه الخطوة التي خطتها مصر تدفع المسؤولين في الشرق الأوسط إلى اتخاذ مواقف واضحة وتدعو إلى سرعة إعلان موقف إيران من كتلتي الشرق والغرب".

وعندما قام عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية في يوليو 1956؛ دعت بريطانيا التي تمتلك 44% من أسهم القناة الدول المنتفعة بها إلى اجتماع في لندن في الفترة من 16 إلى 23 أغسطس 1956 وشاركت فيه 22 دولة التي تمثل 95% من مجموع السفن التي تستخدم القناة، ومن بينها إيران. وفي أثناء المؤتمر حاولت بعض الدول خاصة أعضاء حلف بغداد أن تتحدث عن سيادة مصر على القناة وفي نفس الوقت تؤكد الحاجة إلى الإشراف الدولي عليها. وقد انقسمت الدول المجتمعة في المؤتمر إلى ثلاثة اتجاهات بشأن تأميم مصر للقناة، المجموعة الأولى: الدول التي رفضت عملية التأميم كلية وهي بريطانيا وفرنسا وتركيا وكل أعضاء حلف شمال الأطلنطي عدا إسبانيا. المجموعة الثانية: الدول التي أيَّدت أحقية مصر في التأميم وضمت كلًّا من الهند والاتحاد السوفييتي وسريلانكا وإندونيسيا. المجموعة الثالثة: الدول التي رأت أن التأميم حق مشروع وسيادي بالنسبة إلى مصر لكنها دعت إلى إحلال نظام أو اتفاق دولي جديد بشأن القناة لا يتعارض مع السيادة المصرية وضمت كلًّا من إيران وإثيوبيا وإسبانيا وباكستان.

وفي المؤتمر رفضت إيران الاستجابة لطلب مصر بتبني اقتراح وزير الخارجية الهندي بشأن تسوية الأزمة، ثم اتخذت هي وباكستان وإثيوبيا موقفًا شبه موحد مخالفًا لمصر وجميع المواقف الإفريقية والآسيوية ولم تتخذ موقفًا مؤيدًا لمصر بصدق، وخرجت عن الاجتماع الإفريقي والآسيوي وأيدت مشروع يوغوسلافيا مثل الولايات المتحدة، لذلك كان لدى مصر حساسية بالنسبة إلى إيران وفضَّلت الهند لعضوية اللجنة الاستشارية. وجاء البيان الختامي للمؤتمر بحقوق السيادة المصرية وضمان دخل عادل لمصر مقابل استخدام القناة، ووافق على هذا المشروع ثماني عشرة دولة فيها إيران وباكستان، وصار مشروع الأغلبية، واُختير "منزيس" رئيس وزراء أستراليا ليرأس اللجنة الخماسية التي ستنقل تصريح مؤتمر لندن إلى عبدالناصر وصحبه ممثلو إثيوبيا وإيران والسويد والولايات المتحدة واستراليا. وعقدت "لجنة السويس" اجتماعًا لها وأعلنت أنها سوف تقترح دعوة عبدالناصر للقاء في مصر أو الأمم المتحدة أو في مقرها الأوروبي في جنيف، لكن عبدالناصر رفض المشروع الذي أُذيع في لندن جملة وتفصيلًا لأن فكرة التدويل هي الأساس فيه وهي غير مقبولة من مصر في كل الأحوال، ثم أضاف أنه لن يقابل اللجنة خارج مصر، وأنه يوافق على استقبال اللجنة في القاهرة "على أن يكون واضحًا أن اجتماعه بأعضائها لا يقيِّد مصر بأي شيء". ورفض عبدالناصر مساعي اللجنة واعتبرها نوعًا من الاستعمار الجماعي وقال لـ"منزيس": "إن الإشراف الدولي على القناة يعطي لمصر حق السيادة بينما تؤجر ممتلكاتها لفريق من المستأجرين". وأضاف: "إن هذا الاقتراح قد تم تخطيطه لاغتصاب سيادة مصر وحقوقها في إدارة القناة التي اعترفت بها بريطانيا منذ سنتين في المعاهدة الإنجليزية/ المصرية عام 1954 حيث قررت أن القناة جزء حيوي من مصر".

وكانت دول حلف بغداد تخشى من استخدام عبدالناصر للقناة في أغراضه السياسية وتحكمه في الملاحة وتهديد دول الحلف خاصة إيران التي تعد القناة شريانها، ففي عام 1955 مر عبر القناة حوالي 73% من إجمالي الصادرات الإيرانية، وحوالي 76% من إجمالي وارداتها. وأيدت إيران الحل السلمي لقضية الإشراف الدولي حتى لا ينفرد عبدالناصر بإدارة القناة ويهدد تجارتها، وأرادت إيران أن تظهر كدولة مؤيدة للدول الضعيفة وحتى لا تبدو أمام شعبها بأنها ضيعة الغرب المؤيدة لسياسته في المنطقة، وأنها ليست ضد مصر ولا الغرب وتؤكد أن الانضمام إلى حلف بغداد لا يعني مؤازرة السياسة البريطانية باستمرار، وأن لها إرادتها المستقلة. ولذلك أكد وزير خارجيتها في مؤتمر لندن أن قناة السويس هي جزء لا يتجزأ من التراب المصري، ولمصر حق السيادة عليها، وأشار إلى: (1) أن الاتفاق الموقع بين مصر ودليسبس في 22 فبراير 1866 نصَّ في البند الأول من مادته السادسة عشرة على أنه بما إن الشركة العالمية البحرية لقناة السويس شركة مصرية؛ فيتعين أن تكون خاضعة للقوانين واللوائح المعمول بها في مصر. (2) أن الحكومة المصرية أعلنت أنها سوف تقوم بدفع قيمة اسهمها في البورصة بباريس طبقًا لآخر تداول تم في اليوم السابق على التأميم. (3) أن معاهدة القسطنطينية الموقعة في 29 أكتوبر 1888 نصت في المادة الأولي منها على مبدأ حرية الملاحة العامة في القناة سواء في زمن السلم أو وقت الحرب وهو ما التزمت به الحكومة المصرية أيضًا في اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، وبناء عليه فإن إجراء الحكومة المصرية هو إجراء قانوني يراعي كافة الالتزامات والتعهدات والمواثيق الدولية، وأكد على أن بلاده سوف تؤيد أي طريقة لحل يهدف إلى الحفاظ على الحقوق المصرية وتأمين الملاحة الدولية في قناة السويس، واشترط لدى اختياره عضوًا في لجنة "منزيس" الخماسية أنه سوف ينسحب منها إذا وجهت هذه اللجنة الموفدة من المؤتمر تهديدًا إلى مصر.

من ناحية أخري أحدث عدوان 1956 على مصر ارتباكًا لدول حلف بغداد، وحتى لا تظهر أمام شعوبها بأنها مؤيدة لبريطانيا حليفتها؛ اقترحت إيران إمكانية اقتصار حلف بغداد على الدول الإسلامية دون بريطانيا، وفي نهاية اجتماعات الحلف في 8 نوفمبر 1956 أجمعت الدول الإسلامية الأربع على: (1) استنكار العدوان الفرنسي البريطاني والمطالبة بالجلاء فورًا عن الأراضي المصرية، (2) احترام سيادة مصر وسلامتها واستقلالها عند بحث مشكلة السويس في الأمم المتحدة. (3) وجوب حل قضية فلسطين حلًّا عادلًا. وفي أحد اجتماعات الحلف الذي حضره شاه إيران علَّق على العدوان مُظهِرًا كراهيته الشخصية لعبدالناصر، فقال: "إننا جميعًا سعداء بما حصل لعبدالناصر ولكننا مع ذلك يجب أن نتمسك بميثاق الأمم المتحدة". ونتيجة للموقف المناهض لمصر الذي اتخذته الصحف الإيرانية الرسمية؛ بذلت السفارة المصرية بطهران مجهودًا كبيرًا لمقاومة هذه الدعاية فقامت بالاتصال سرًّا بالعناصر الوطنية وحثتها على إصدار بعض المنشورات عن قناة السويس ووزعتها بطرقها الخاصة، كما اتصلت السفارة ببعض رجال الدين وطلاب المعاهد الدينية في إيران ونشرت بينهم تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي متضمنة تحذيره من خطر الاتحاد الإسلامى، واتصلت السفارة بجمعية "مسلم زاد" وهي جمعية دينية صغيرة أخرجت بعض المنشورات عن القناة، وطالبت السفارة باعتماد مالي من وزارة الخارجية لإصدار نشرة أسبوعية إخبارية عن مصر في إيران.

ولمَّا كانت السفارتان الأمريكية والبريطانية قد استخدمتا بعض المحررين في الصحف ووظفتهم بمرتبات مغرية ودعتهم لزيارة أمريكا؛ فقد دعت السفارة المصرية إلى مقاومة هذه الدعاية عن طريق: (1) التعاون مع الصحف الموالية لمصر. (2) يجب استغلال العاطفة الدينية ودعوة الإيرانيين إلى زيارة مصر وتبادل الزيارات. (3) الامتناع عن كل ما يمس مشاعر الإيرانيين شعبًا وحكومة وملكًا سواء كان ذلك في الصحف أو غيرها. (4) عدم إثارة مسألة الخليج الفارسي، وما أضفته الصحف عليه من تسمية عربية، أو تناول مسألة البحرين بشكل يبيِّن أي روح عدائية نحو إيران. (5) مواجهة الصحافة الغربية بصحافة ودعاية مصرية إيجابية توضح للشعب الإيراني أن قضية القناة إن هي إلا سبيل لارتفاع شأنه كشعب مسلم وأن الصهيونية إذا تمكنت من تنفيذ سياستها التوسعية على حساب العالم الإسلامي فستؤدي بدورها إلى السيطرة على مقدرات الشعب الإيراني المسلم. (6) يجب توثيق العلاقات بين البلدين عن طريق عقد معاهدة ثقافية بين البلدين والعمل على تدعيم العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيران.

أما عن موقف إيران الدولي تجاه قضية السويس فلم يكن حماسيًّا، ففي رسالة من "عمر لطفى" مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة أشار إلى أن السفير "جلال عبده" المندوب الإيراني في مجلس الأمن أبلغه حيرته بعد تنازل فرنسا عن رئاسة مجلس الأمن في هذه الدورة لإيران، وهو لا يتصور إنسانيًّا أنه لا يستطيع أن يرأس جلسة يحتفظ فيها بحياده كرئيس، إذا كان موضوعها يخص بلدًا إسلاميًّا كبيرًا مثل مصر، والمشكلة أنه في الوقت نفسه يشعر بضغوط عليه من طهران وهو يطلب أن تتصل القاهرة بالعاصمة الإيرانية وتطلب إليها رسميًّا تأييد موقفها. ثم عاد السفير "جلال عبده" وذكر للدكتور "محمود فوزى" في نيويورك أن الضغط عليه بلغ حد الوقاحة وأنه بعث إلى طهران برقية يطلب فيها مجيء وزير خارجية إيران السيد "انتظام" لكي يرأس جلسات مجلس الأمن، فهو لا يريد أن يجلس على منصة الرئاسة في هذه الجلسات، وإذا وجد أنه مضطر إلى ذلك؛ فسوف يفكر في الهرب، وإن كان لا يعرف كيف وإلي اين، فأبلغه الدكتور فوزي أنه لا يطلب منه سوى أن يكون رئيسًا عادلًا ولا يطلب منه التحيز لنا.

وبعد تدخل الأمم المتحدة لحل مسألة العدوان الثلاثي على مصر؛ رفضت مصر اشتراك إيران في قوات الطوارئ الدولية واتهمتها بخذلانها لمصر في مجلس الأمن، ما دفع رئيس الوزراء الإيراني "علي آميني" إلى الرد على اتهام مصر لإيران ملخصه: (1) أن وزير خارجية إيران كان قد أعلن أن قرار التأميم يعتبر قرارًا مشروعًا طالما كان يراعي الحقوق الدولية. (2) أنه قد صدر بيان من دول حلف بغداد في نوفمبر 1956 استنكرت فيه الدول المشتركة في الحلف العدوان الإسرائيلى. (3) أن إيران أيَّدت مصر في الأمم المتحدة وأن وزير خارجية مصر قد استعدي سفير إيران في القاهرة آنذاك وأبلغه شكر الحكومة المصرية وشكر الرئيس عبدالناصر للإجراءات الشاهنشاهية الهادفة إلى إحلال السلام في المنطقة، وذكر أن مساعي جلالته المجدية كانت وما زالت موضع تقدير مصر حكومة وشعبًا، وأود أن أكرر قولي إن حكومة مصر والرئيس جمال لا يرغبان في أن تساهم الدول التي لنا معها خلاف معنوي قوي في تشكيل قوة السلام التي تشرف على عملية وقف إطلاق النار، واضاف رئيس الوزراء "آميني" أن هذا قد جاء بعد اقتراح الشاه بإرسال معدات إيرانية للمشاركة في هذه القوة.

وقد نشرت إحدى الصحف المقربة من الشاه يوم 18 يوليو 1960 تحت عنوان: "إقامة تمثيل دبلوماسي بين إسرائيل وإيران" وأنه سوف يتم ذلك بمجرد إعداد الميزانية اللازمة. وصرَّح مصدر مسؤول بأن موضوع إنشاء تمثيل دبلوماسي بين إيران وإسرائيل هو موضوع عادي لأنه سبق للحكومة الإيرانية أن اعترفت رسميًّا بإسرائيل، وليس في الموضوع تجديد اعتراف، إذ إن حكومة إيران أغلقت في وقت من الأوقات قنصليتها في إسرائيل لأسباب تتعلق بالميزانية، ولم يكن ذلك مبنيًّا على سحب الاعتراف وإنما كان مرهونًا بالوقت الذي تسمح فيه الميزانية بوضع الأمور في مكانها الصحيح. وعندما طلبت الحكومة المصرية من سفيرها في طهران "محمود محرم حماد" تقريرًا عن احتمالات الاعتراف الإيراني الدبلوماسي الكامل بإسرائيل؛ عهد بهذه المهمة إلى السفير السعودي لاستطلاع رأي المسؤولين الإيرانيين، إذ كان السفير السعودي في ذلك الوقت هو عميد السلك السياسي الأجنبي فيها، فقابل وزير خارجية إيران ولفت نظره إلى عواقب الاعتراف بإسرائيل فردَّ عليه محتدًّا أن سفير إيران يجد صعوبة في مقابلة وزير خارجية مصر، وأن سفارة سويسرا في إسرائيل رفضت مواصلة رعاية مصالح المهاجرين الإيرانيين "اليهود" في فلسطين البالغ عددهم 50 ألف إيراني منهم 7 آلاف ما زالوا يحملون جوازات سفرهم الإيرانية.

وبالفعل قام الشاه في يوم 23 يوليو 1960 وأعلن استئناف علاقة إيران بإسرائيل وإعادة التمثيل الدبلوماسي بينهما. وكان رد فعل مصر حاسمًا، فقد صرَّح مصدر رسمي في وزارة الخارجية بأن "الوزارة أبرقت في الساعة العاشرة من مساء يوم 23 يوليو إلى سفارتها في طهران بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية الذي أعلنه الرئيس عبدالناصر في خطابه بالإسكندرية ردًّا على اعتراف شاه إيران بإسرائيل، وطلبت البرقية من السفير وجميع رجال السفارة في السلك الدبلوماسي والقنصلي والإدارى الرحيل. ومن الواضح أن هناك عدة دوافع ومكاسب اعتقد الشاه أنه سيحققها من الاعتراف السياسي بإسرائيل، كما اعتقد أن هذا الاعتراف لن يثير ضجة مثلما اعترفت تركيا بإسرائيل ولا تزال لها علاقات بالدول العربية والإسلامية. ففي حوار مع الصحفي المصري "محمد حسنين هيكل" قال: "دعني أسألك سؤالًا وقد كنت صديقًا لعبدالناصر: هل في إمكانك أن تخبرني لماذا اختلفت معاداته لتركيا عن معاملته لي؟ فمنذ إنشاء إسرائيل كانت لتركيا علاقات دبلوماسية معها على مستوى السفراء، لقد كانت علاقاتنا بإسرائيل على مستوى محدود للغاية لكن عندما زدنا من هذه العلاقة والتي لم تصل لمستوى السفراء؛ غضب عبدالناصر غضبًا شديدًا وقطع العلاقات الدبلوماسية معنا، لماذا لم يفعل نفس الشيء مع تركيا؟" أجاب هيكل بأن "تركيا أقامت علاقاتها مع إسرائيل قبل مجيء عبدالناصر للسلطة وكانت سياستها أن يبقى الحصار حول إسرائيل، لهذا كان يقف ضد أي بلد تقيم حلقات اتصال مع إسرائيل وكان يخشى أنه لو كسرت إيران حلقة الحصار حول إسرائيل، فإن هذا سيكون بمثابة سابقة للدول الإسلامية الأخرى مثل إندونيسيا والملايو وباكستان يمكنها أن تتبعها، فالمسألة مسألة مبدأ.

بُذلت الكثير من المساعي والوساطات من الدول العربية والصديقة لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، ففي عام 1964 توسط الملك حسين لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة، فعندما تولى الرئيس العراقي عبدالسلام عارف السلطة بذل مساعيه لإعادة العلاقات بينهما، غير أن مساعيه باءت بالفشل، بالإضافة إلى مساعي محمد هاشم رئيس وزراء أفغانستان، وأمير الكويت جابر الصباح.

ومن الملاحظ أن طلب إيران سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وتأييدها قرار الأمم المتحدة رقم 242 أسرع من عملية التقارب بين مصر وإيران. وفي محاولة من مصر لإظهار حُسن نيِّتها وصدقها في تصفية الأجواء مع إيران؛ رفضت مصر استقبال "تيمور بختيارى" رئيس السافاك السابق المنشق عن الشاه فكان من المحقق نقله من سجنه في بيروت إلى القاهرة، ولكن نتيجة للإجراءات؛ لم يُنقل. غير أن من أهم أسباب إعادة العلاقات هو شعور الدولتين بحاجة كل منهما إلى الأخرى، فمصر تحتاج إيران لتأييد قضيتها في الأمم المتحدة، وللضغط على إسرائيل إن لم تقطع علاقتها بها، بالإضافة إلى التوسط لدي الولايات المتحدة لتحريك عملية السلام. أما إيران فقد تفجرت مشكلة شط العرب وإقليم عربستان والجزر العربية في الخليج، وتسعى إيران لتحل محل بريطانيا في الخليج، فالمصلحة تقتضي تحسين علاقاتها بمصر أكبر معارض لسياستها في المنطقة.

وأثناء زيارة رئيس وزراء إيران "أمير عباس هويدا" إلى تركيا في 10 يونيو 1969 طلب من تركيا التوسط لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، وطلب من رئيس الوزراء التركي "سليمان ديميريل" التوسط لحل مشكلة شط العرب مع القاهرة، إن أعطت حكومة القاهرة تأكيدات بعدم التدخل في شؤون الخليج العربى. كما توسطت ليبيا لإعادة العلاقات بين مصر وإيران بلا شروط، ورحبت طهران. وفي 6 يونيو 1970 أرسلت مصر مستشارًا لسفارتها في طهران هو "يحيي رفعت" وأرسلت طهران "محمد أمير أصفنديارى"، ثم زاد عدد الدبلوماسيين بين الطرفين إلى 3 أعضاء. وفي 29 يونيو بحث الرئيس "جمال عبدالناصر" علاقات الدولتين، وتم الاتفاق على إعادة العلاقات على مستوى السفراء في 23 أغسطس 1970، وتم الاتفاق على أن يُعلن استئناف العلاقات في وقت واحد في 30 أغسطس 1970. وعند وفاة الرئيس المصري شاركت إيران بوفد رفيع المستوى كان على رأسه رئيس الوزراء، وأرسل الشاه رسالة عزاء إلى الرئيس السادات لتبدأ فترة جديدة من العلاقات بين مصر وإيران.

وفي 8 أكتوبر تمت الموافقة على ترشيح السيد "خسروانى" أول سفير لإيران في القاهرة بعد عودة العلاقات، ونُقل "محمد سميح أنور" السفير بالديوان العام بمصر سفيرًا إلى طهران في 5 نوفمبر 1950 ووافقت طهران عليه في 22 نوفمبر 1970.

يتبع..