رؤى
جون بيلامي فوسترالطبقة الحاكمة الأمريكية وسلطة ترامب – الجزء الثالث
2025.04.26
مصدر الصورة : آخرون
ترجمة: راجي مهدي
المقال الأصلي منشور على موقع Monthly Review في تاريخ 1 أبريل 2025[1]
بمرور الوقت صار اقتصاد الرأسمال الاحتكاري في مركز الرأسمالية أكثر اعتمادًا على تعميق طابعه المأمول بما أدى إلى ازدياد تركز الثروة في القطاع المالي في ظل ركود الإنتاج ليصبح النظام أقل توازنًا وأكثر هشاشة. تتسم الأسواق المالية بعدم الاستقرار الذي ينبع من تقلبات دورة الائتمان. علاوة على هذا، أدى تضخم القطاع المالي إلى تقزيم الإنتاج الذي عانى من ركود مستمر ليصبح الاقتصاد كله معرضًا لأخطار أكبر. ولمواجهة هذه الحالة، أُريقت دماء الناس بمعدلات أكبر وضخت الدولة بتنظيم من البنوك المركزية مزيدًا من التدفقات المالية بشكل دوري.
لا يوجد أفق لكسر هذه الحلقة من داخل نظام الرأسمال الاحتكاري. كلما تضخمت القمة المالية للنظام على حساب قطاعه الإنتاجي (الاقتصاد الحقيقي)، وكلما طالت تأرجحات الدورة المالية للاقتصاد صارت الأزمة التالية أكثر تدميرًا. شهدت الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين ثلاث فترات من الانهيار المالي والانكماش: انفجار الفقاعة التكنولوجية عام 2000، الأزمة المالية الكبرى 2007-2009، والانكماش الحاد الذي أطلقه وباء كوفيد-19 عام 2020.
التحول نحو الفاشية الجديدة
تركت الأزمة المالية الكبرى آثارًا مستمرة على الأوليجاركية المالية في الولايات المتحدة وعلى كامل الهيكل السياسي بما قاد إلى تحولات كبرى في مراكز القوة في المجتمع. بعد انهيار بنك ليمان براذرز في سبتمبر 2008، اتجه النظام المالي بسرعة خاطفة نحو انهيار صاعق ما ترك الأوليجاركية الرأسمالية والمجتمع كله في حالة صدمة، بينما انتشرت الأزمة بسرعة على مستوى العالم. كان انهيار ليمان براذرز هو الحدث الأكثر دراماتيكية في أي أزمة مالية، حيث استمرت أزمة البنك في التصاعد على مدار العام بينما فجرها في النهاية رفض الدولة كملاذ ائتماني أخير إنقاذ البنك الذي كان آنذاك رابع أكبر بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة. كان هذا نتيجة قلق إدارة جورج بوش مما يسميه المحافظون "الضرر المعنوي" الذي قد يحدث نتيجة سعي المؤسسات الكبرى إلى الدخول في استثمارات خطرة بضمانات الإنقاذ الحكومي. غير أنه بعد انهيار ليمان براذرز الذي عرّض النظام المالي كله لزلزال، قادت الحكومة محاولة إنقاذ ضخمة وغير مسبوقة نظمتها إدارة الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على الأصول الرأسمالية. تضمنت تلك المحاولة ما يسمى بـ"التسهيل الكمي" عبر طبع النقود لتثبيت الرأسمال المالي ما أدى إلى ضخ تريليونات الدولارات في شرايين المؤسسات الكبرى.
أخيرًا اعترف الاقتصاد الرسمي بحالة الركود المزمن التي حللها الاقتصاديون الماركسيون طويلًا خصوصًا محرري مونثلي ريفيو هاري ماجدوف وبول سويزي، بالإضافة إلى الاعتراف بنظرية هيمان مينسكي حول أزمات عدم الاستقرار المالي، بينما اعترف الاقتصاديون الكلاسيكيون كما الرديكاليون بأن التوقعات الضعيفة بشأن نمو اقتصاد الولايات المتحدة تشير إلى استمرار الركود والميل نحو الأمولة.
ما كان أكثر رعبًا لرأسمالية الولايات المتحدة في أثناء الأزمة الكبرى هو أنه بينما تدهورت اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى حالة انكماش عميقة، فإن الاقتصاد الصيني استطاع الثبات ثم الانطلاق إلى معدلات نمو مضاعفة تقريبًا. من وقتها فصاعدًا كانت الأمور قد حُسمت: تراجع متسارع لهيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي في مقابل تقدم صيني يبدو غير قابل للإيقاف، يهدد هيمنة الدولار والقوة الإمبريالية للرأسمال المالي الاحتكاري الأمريكي.
على الرغم من أن الأزمة الكبرى قادت إلى انتخاب الديمقراطي باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، فإنها أدت إلى تنامٍ مفاجئ في النفوذ السياسي لليمين الراديكالي الذي ارتكز مبدئيًّا على القطاعات الصغرى من الطبقة المتوسطة التي عارضت عمليات إنقاذ الرهونات العقارية باعتبارها تصب في صالح الطبقة الوسطى العليا والطبقة العاملة. عارضت الدعاية المحافظة الموجهة للطبقة الوسطى الصغرى كل عمليات الإنقاذ الحكومي منذ البداية. غير أن ما أصبح معروفًا بيمين حزب الشاي الراديكالي انطلق في 19 فبراير 2009، حيث فتح ريك ستانلي المعلق الاقتصادي في شبكة سي إن بي سي، النار على خطة إدارة أوباما لإنقاذ الرهون العقارية معتبرًا إياها خطة اشتراكية (مقارنًا بينها وبين الحكومة الكوبية) باعتبار أنها تجبر الناس على دفع ثمن قيام جيرانهم بشراء منازل من خلال صفقات سيئة وغالية الثمن فيما يعد خرقًا لقوانين السوق الحر. في هجومه، أتى ستانلي على ذكر حزب الشاي في بوسطن، في خلال أيام كانت مجموعات حزب الشاي تنظم نفسها في أقسام عديدة من البلاد.
في البداية مثّل حزب الشاي تيارًا ليبرتاريًّا رعاه رأس المال الكبير وخاصة شركات البترول الكبيرة التي مثّلها الأخوان دافيد وتشارلز كوش -كانا وقتها في قائمة أغنى عشرة مليارديرات في الولايات المتحدة- بجانب ما يُعرف بشبكة كوش للأثرياء المرتبطة بحملة الأسهم الخاصة. في 2010 أزال قرار المحكمة العليا "مواطنون متحدون ضد لجنة الانتخابات الفيدرالية" معظم القيود التي تكبح تمويل الأثرياء والشركات الكبرى للمرشحين السياسيين ما سمح للمال الأسود بالسيطرة على السياسة في الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق. اكتسح سبع وثمانون عضوًا من حزب الشاي انتخابات مجلس النواب، معظمهم في دوائر أُعيد ترسيمها بشكل متحيز بحيث يغيب عنها المرشحون الديمقراطيون. انتُخب ماركو روبيو أحد مرشحي حزب الشاي المفضلين نائبًا عن ولاية فلوريدا. اتضح بسرعة أن دور حزب الشاي ليس إطلاق برامج جديدة بل منع الحكومة الفيدرالية من القيام بوظائفها من الأساس، وكان نجاحه الأكبر في إصدار قانون ضبط الميزانية عام 2011، الذي وضع حدودًا للإنفاق واستقطاعات إنفاقية صُممت لمنع زيادة الإنفاق الفيدرالي بما يفيد عموم المواطنين (في مقابل دعم رأس المال والإنفاق العسكري لتقوية الإمبراطورية)، وهو ما نتج منه الإغلاق الحكومي الرمزي في 2013. بالإضافة إلى هذا تبنى حزب الشاي نظرية المؤامرة العنصرية المعروفة بنظرية إنكار الجنسية مستهدفًا أوباما كأجنبي مسلم.
لم يكن حزب الشاي حركة شعبية بقدر ما كان تلاعبًا إعلاميًّا محافظًا، ومع ذلك كانت اللحظة التاريخية مواتية لقطاعات من رأس المال المالي الاحتكاري لتعبئة أغلبية الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى البيضاء التي عانت في ظل النيوليبرالية وكانت أكثر قطاعات المجتمع الأمريكي قومية وعنصرية وانتقامية ومتحيزة جنسيًّا بناء على أيديولوجيا فطرية. هذه الشريحة الاجتماعية كانت بحسب ما أشار ميلز "احتياطي" النظام. وتتكون من مديري المستويات الأدنى، رجال الأعمال الصغار، ملاك الأراضي الصغار والمسيحيين الإنجيليين البيض. تحتل الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة موقعًا طبقيًّا متناقضًا في النظام الرأسمالي، حيث مداخيلها أعلى من المتوسط الاجتماعي، فهي فوق أغلبية الطبقة العاملة غير أنها أدنى من الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة أو المديرين المحترفين، بالإضافة إلى مستوى تعليمي منخفض ويطابق ممثلي رأس المال الكبير. تعاني تلك الشريحة الخوف من الانحدار إلى مستوى الطبقة العاملة. تاريخيًّا، نشأت الأنظمة الفاشية حين تشعر الطبقة الرأسمالية بالتهديد وتفشل الديمقراطية الليبرالية في التعاطي مع التناقضات السياسية والاقتصادية والإمبريالية للمجتمع. تعتمد تلك الحركات على تعبئة الطبقة الحاكمة للطبقة المتوسطة الدنيا (البرجوازية الصغيرة) مع بعض القطاعات صاحبة الامتيازات في الطبقة العاملة.
بحلول عام 2013، كان حزب الشاي يخبو، غير أنه احتفظ بقوة معتبرة في واشنطن في هيئة تجمع الحرية في مجلس النواب والذي تأسس في 2015، غير أنه بحلول 2016، تحول إلى حملة ترامب المعروفة بـ"لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، كتشكيل سياسي نيوفاشي يرتكز على تحالف وثيق بين قطاعات من الطبقة الحاكمة الأمريكية وبرجوازية صغيرة معبأة لتقود ترامب إلى الانتصار في انتخابات 2016 و2024. اختار ترامب عضو حزب الشاي المدعوم من كوش السياسي اليميني الراديكالي مايك بينس من ولاية إنديانا كمرشحه لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2016. في 2025 اختار ترامب مارك روبيو بطل حزب الشاي لمنصب وزير الخارجية، وقد تحدث ترامب عن حزب الشاي معلنًا: "هؤلاء الناس ما زالوا كما هم، لم يغيروا مواقفهم، حزب الشاي لا زال موجودًا غير أن اسمه أصبح "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" – اختصارًا: "ماجا".
لم تعد كتلة "الماجا" السياسية تتبنى نهجًا ماليًّا محافظًا، حيث كان هذا النهج بالنسبة إلى اليمين وسيلة لتقويض الديمقراطية الليبرالية. ومع ذلك، احتفظت الماجا بأيديولوجيتها الانتقامية والعنصرية والمعادية للنساء والتي نقلتها إلى البرجوازية الصغيرة بالتوازي مع سياسة قومية متطرفة وعسكرة العلاقات الخارجية في نهج مشابه لما فعله الديمقراطيون. تمثل الصين الصاعدة محور سياسة ترامب الخارجية. صاحب صعود الماجا إحياء مبدأ القائد الذي لا يجوز انتهاك قراراته، متزامنًا مع زيادة هيمنة الطبقة الحاكمة على الحكومة من خلال أكثر فصائلها رجعية. في زمن الفاشيات التقليدية في إيطاليا وألمانيا، طور النازيون مفهوم خصخصة المؤسسات الحكومية في ظل زيادة الوظائف القمعية للدولة وتعمق العسكرة والنزعة الإمبريالية. بهذا المنطق، مهدت الدولة الطريق لصعود الفاشية الجديدة وحدث نوع من التنسيق في الوسائل التي انتهجها الإخوة الأعداء، بما قاد في النهاية إلى تحالف غير مستقر بين النيوليبراليين والنيوفاشيين يهيمن على الدولة والإعلام تمتد جذوره إلى قمة الطبقة الرأسمالية الاحتكارية.
لا يمكن الآن إنكار الهيمنة المباشرة لشريحة قوية من الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، بينما أظهرت البحوث الاقتصادية الحديثة، خاصة كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" لتوماس بيكيتي، أظهرت الطبيعة العائلية للثروة في الولايات الرأسمالية المتقدمة بالرغم من وجود بعض الوافدين الجدد إلى نادي المليارديرات. كما ظهر خطأ كل هؤلاء الذين تصوروا أن الطبقة الرأسمالية لم تكن لها ولا تستطيع أن يكون لها هيمنة على الدولة، أو أن النظام يُدار بواسطة نخبة من المديرين وتجمع من أثرياء الشركات في حين أن الذين يراكمون الثروات وعائلاتهم وشبكات علاقاتهم بقيت في الخلفية. إن واقع اليوم أقرب إلى أن يكون حربًا طبقية من أن يكون صراعًا طبقيًّا، أو كما قال الملياردير وارين بافت: "هناك حرب طبقية، حسنًا، غير أن طبقتي، الطبقة الثرية، هي من تشن الحرب، وهي من تربحها".
إن تركز الفائض العالمي لدى رأس المال الاحتكاري الأمريكي قد خلق الآن أوليجاركية مالية لا شبيه لها، والأوليجاركيون يحتاجون إلى الدولة. وعلى رأس هؤلاء يأتي قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يعتمد بشدة على الإنفاق العسكري والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية من أجل أرباحه وتطوره التكنولوجي. لقد حظي ترامب بالدعم، تحديدًا من المليارديرات الذين احتفظوا بملكيتهم الخاصة (لا تعتمد ثرواتهم على الشركات العامة المسجلة في سوق الأسهم وتخضع للتنظيمات الحكومية)، فعمومًا يستمد ترامب دعمه من حملة الأسهم الخاصة. من ضمن أكبر الأسماء التي أُعلن عنها في حملة ترامب لانتخابات 2024 تيم ميلون (حفيد أندرو ميلون والوريث لثروة آل ميلون البنكية)، إيك برلمتر الرئيس السابق لشركة مارفل، الملياردير بيتر ثيل المؤسس المشارك لباي بال ومالك بالانتير وهي شركة للمراقبة والتنقيب عن المعلومات (ثيل هو موجه جيمس دافيد فانس نائب رئيس الولايات المتحدة)، مارك أندرسن وبن هورتيز وهما من أبرز وجوه سيليكون ڨالي المالية، ميريام أديلسون زوجة ملياردير صالات القمار الراحل، أحد أقطاب تجارة الشحن ريتشارد أويلن وريث ثروة أويلن بروينج، وبالطبع إيلون ماسك أغنى رجل في العالم ومالك تسلا وموقع إكس وسبيس إكس والذي أمد حملة ترامب بربع مليار دولار. إن هيمنة المال الأسود التي تخطت حدود كل الانتخابات السابقة تجعل من الصعب اكتشاف القائمة الكاملة للمليارديرات الذين يدعمون ترامب. غير أنه من الواضح أن أوليجاركية التكنولوجيا الفائقة على رأس قائمة داعميه.
من الملاحظات المهمة أن دعم ترامب من الطبقة الرأسمالية ومن صفوف أوليجاركية المال في قطاع التكنولوجيا قد جاء بشكل رئيسي من خارج الاحتكارات الستة الكبرى: آبل، أمازون، ألفابيت (جوجل)، ميتا (فيسبوك)، مايكروسوفت ونيفيديا رائد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أخيرًا، بدلًا من ذلك استفاد ترامب من دعم قطاع التكنولوجيا الفائقة في وادي السيليكون، وحملة الأسهم الخاصة وشركات البترول. بالرغم من أنه ملياردير، فإن ترامب ليس سوى ممثل للتحولات الاقتصادية السياسية التي تشهدها الطبقة الحاكمة خلف ستار حركة قومية شعبوية من أسفل، كما يقول الصحفي والاقتصادي الإسكتلندي والنائب في البرلمان عن الحزب القومي جورج كيريفان "ترامب ديماجوجي لكنه لا زال مجرد تعبير عن قوى طبقية فعلية".
لقد مثلت إدارة بايدن مصالح القطاعات النيوليبرالية في الطبقة الرأسمالية بالرغم من بعض التنازلات المؤقتة التي قدمها إإلى الطبقة العاملة والفقراء. فقد تعهد لوول ستريت قبيل انتخابه بأن "لا شيء جوهري سيتغير" لو أنه صار رئيسًا، لذا كان مثيرًا لسخرية شديدة تحذيره للأمة في خطابه الوداعي في يناير 2025 حين قال: "اليوم، تتشكل في أمريكا أوليجاركية مكونة من الثروة الكبيرة والسلطة والنفوذ تهدد ديمقراطيتنا بالكامل، حقوقنا الأساسية وحرياتنا والفرصة العادلة لكل فرد من أجل الصعود، هذه الأوليجاركية تمتد جذورها ليس فقط في تركز السلطة والثروة، بل أيضًا في الصعود القوي الذي حققه قطاع التكنولوجيا الفائقة". موضحًا أن أسس دعم قطاع التكنولوجيا الفائقة تتمثل في صعود نفوذ المال الأسود والذكاء الاصطناعي الخارج عن السيطرة، معترفًا بأن المحكمة العليا الأمريكية صارت معقلًا قويًّا لسيطرة الأوليجاركية، مقترحًا تحديد فترة ولاية قضاة المحكمة العليا بثمانية عشر عامًا. منذ فرانكلين د. روزفلت، لم يطرح رئيس أمريكي مسألة هيمنة الطبقة الحاكمة مباشرة على الحكومة الأمريكية، لكن بايدن طرحه في اللحظة التي كان يغادر فيها البيت الأبيض.
يمكن التقليل من شأن تعليقات بايدن على أساس أن السيطرة الأوليجاركية على الدولة في الولايات المتحدة ليست أمرًا جديدًا، غير أن تلك التعليقات تعكس شعورًا بتغير رئيسي تشهده الدولة الأمريكية عبر استيلاء الفاشية الجديدة عليها. لقد وصفت نائبة الرئيس كاميلا هاريس ترامب علنًا بأنه فاشي. ليس هذا مجرد مناورة سياسية في إطار لعبة الكراسي الموسيقية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في اللعبة السياسية الثنائية في الولايات المتحدة. قدرت فوربس في عام 2021 صافي الأصول التي تمتلكها إدارة بايدن بقيمة 118 مليون دولار، وفي تباين حاد تضم إدارة ترامب 13 مليارديرًا، تقدر القيمة الصافية الإجمالية لثروتهم بـ 460 بليون دولار ومن ضمنهم إيلون ماسك بثروة تقدر بـ400 مليار دولار بحسب بابلك سيتيزن. حتى بدون ماسك، تمتلك إدارة ترامب أصولًا تقدر بعشرات المليارات من الدولارات مقارنة بـ 3.2 مليار دولار هي قيمة أصول إدارته السابقة.
في 2016، كما يلاحظ دوج هينوود، نظر رأسماليو أمريكا الرئيسيون إلى ترامب ببعض الشك، في 2025، ليست إدارة ترامب سوى نظام للمليارديرات. قادت سياسات ترامب اليمينية الراديكالية إلى سيطرة أفراد من قائمة فوربس لأغنى 400 أمريكي على مناصب في الحكومة الأمريكية بهدف إحداث تغيير كامل في النظام السياسي للولايات المتحدة. لقد وقف أغنى ثلاثة رجال في العالم مع ترامب على المنصة أثناء تنصيبه رئيسًا في 2025. وبدلًا من أن يُعد هذا قيادة أكثر فعالية لمصالح الطبقة الرأسمالية، يعتبر هينوود تلك التطورات دلالة على تعفن داخلي.
في الملحق الذي كتبه بلوك لمقالته "الطبقة الحاكمة لا تحكم" حين أعادت ذي جاكوبين نشرها، صور بايدن كوكيل سياسي مستقل في النظام السياسي الأمريكي. وقد أضاف بلوك أنه ما لم يؤسس بايدن لسياسات ديمقراطية اجتماعية تستفيد منها الطبقة العاملة -وهو الأمر الذي وعد بايدن أنه لن يقوم به- فإن شخصًا أسوأ من ترامب سينتصر في انتخابات 2024. ومع ذلك، ليس السياسيون وكلاء مستقلين في المجتمع الرأسمالي. وليسوا مسؤولين بشكل رئيسي أمام الناخبين. فكما يقول المثل "من يدفع إلى العازف يتحكم في النغمات". منع الرعاة الكبار الديمقراطيين من أن يقوموا بأي خطوة ولو بسيطة نحو اليسار، لذا حين رشحوا هاريس للانتخابات الرئاسية، خسروا ملايين من أصوات الطبقة العاملة الذين كانوا قد صوتوا لبايدن في الانتخابات السابقة فتخلت عنهم إدارته ليتخلوا هم بدورهم عن الديمقراطيين. بدلًا من التصويت لترامب، اختار الناخبون الديمقراطيون السابقون الانضمام إلى الحزب السياسي الأكبر في الولايات المتحدة: حزب مقاطعي الانتخابات.
ما حدث هو بالفعل شيء أسوأ من مجرد تكرار فترة ترامب الأولى. فنظام ترامب الديماجوجي المستند إلى الماجا قد صار حالة غير مقنَّعة للسيطرة السياسية للطبقة الحاكمة مدعومة بتعبئة حركة انتقامية في الأوساط الدنيا من الطبقة الوسطى، لتؤسس دولة يمينية نيوفاشية على رأسها قائد أثبت أنه قادر على التصرف بحصانة وبرهن على قدرته على تخطي العوائق الدستورية السابقة: رئاسة إمبريالية حقًّا. لدى ترامب وفانس علاقات قوية بمؤسسة التراث ومشروع 2025 الرجعي الذي هو جزء من أجندة الماجا الجديدة. السؤال الآن هو: إلى أي مدى سيذهب مشروع التحويل السياسي المطروح يمينًا، وهل من الممكن مأسسته على أساس الوضع القائم، بالاعتماد على تحالف الطبقة الحاكمة مع الماجا من جهة، وعلى المفهوم الجرامشي للهيمنة من أسفل من جهة أخرى؟
لقد تنازلت الماركسية الغربية واليسار الأوروبي عمومًا من زمن طويل عن مفهوم الطبقة الحاكمة بحجة أنه كان شديد الدوجمائية. هذه الرؤية التي تحاول التكيف مع التيار السائد في الأكاديميا العالمية أظهرت نقصًا في واقعيتها لم يمكنها من فهم متطلبات النضال في زمن الأزمة البنيوية لرأس المال.
في عام 2022، كتب ساندرز في مقالة: "في الولايات المتحدة هناك طبقة حاكمة وعلى الأمريكيين أن يواجهوها"، قائلًا: "الموضوع السياسي والاقتصادي الأهم الذي يواجه هذا البلد هو المستويات الاستثنائية لتفاوت الدخل والثروة، النمو السريع لتركيز الملكية وتحول تلك البلاد إلى أوليجاركية..
لدينا الآن تفاوت في الدخل والثروة أكثر مما حدث في آخر مئة عام. في عام 2022، يمتلك ثلاث مالتي مليارديرات ثروة أكبر مما يمتلك النصف الأسفل من المجتمع الأمريكي أي 160 مليون أمريكي. اليوم، 45% من كل الدخل المتولد يذهب إلى أغنى 1% والمديرون التنفيذيون للشركات العملاقة يحصلون على مداخيل تصل إلى 350 ضعف ما يتحصل عليه عمالهم…
على مستوى السلطة السياسية، الوضع متشابه. فعدد صغير من المليارديرات والمديرين التنفيذيين من خلال لجانهم السياسية المستقلة والمال الأسود ومساهمي الحملات الانتخابية، يلعبون دورًا ضخمًا في تقرير من سيُنتخب ومن سيُهزم. هناك الآن عدد متزايد من الحملات التي تنفق عليها اللجان المستقلة أكثر مما ينفق المرشحون الذين أصبحوا مجرد دُمى لمحركي الدمى أصحاب المال الكبير. في 2022، خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أُنفقت عشرات مليارات الدولارات في محاولة لهزيمة المرشحين التقدميين الذين كانوا يمثلون العمال".
في رد فعله على انتخابات 2024 الرئاسية، قال ساندرز إن جهاز الحزب الديمقراطي الذي أنفق المليارات لشن "حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني بأكمله" بينما تخلى عن الطبقة العاملة الأمريكية، تخلت عنه الطبقة العاملة الأمريكية وانضم إلى حزب مقاطعى الانتخابات. ليضيف أن 150 عائلة من أصحاب المليارات أنفقت تقريبًا 2 مليار دولار للتأثير في انتخابات 2024 ما أدى إلى تنصيب طبقة حاكمة أوليجاركية علنًا على رأس الحكومة الفيدرالية التي لم تعُد حتى تزعم أنها تمثل مصالح الجميع. يؤكد ساندرز أنه لمواجهة هذه الميول "لا يمكن أن يكون اليأس خيارًا. إننا لا نقاتل فقط من أجل أنفسنا. إننا نقاتل من أجل أطفالنا والأجيال القادمة، ولأجل سلامة الكوكب".
لكن كيف نقاتل؟ في مواجهة حقيقة وجود أرستقراطية عمالية من بين صفوف الفئات العليا من الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية الاحتكارية، هؤلاء الذين اصطفوا مع الإمبريالية، كان الحل اللينيني هو الذهاب عميقًا في الطبقة العاملة وتوسعة مجال الحركة ليرتكز النضال على كل من ليس لديهم شيء ليخسروه سوى قيودهم في كل بلد في العالم، هؤلاء الذين يرفضون الاحتكارات الإمبريالية القائمة. في النهاية، تستمد دولة ترامب وطبقته الحاكمة الفاشية شرعيتها من 0.0001% فقط، تلك هي النسبة التي يمكن القول فعلًا إن إدارة المليارديرات هذه تمثلها.
1- https://monthlyreview.org/2025/04/01/the-u-s-ruling-class-and-the-trump-regime/#lightbox/0/
ترشيحاتنا
