عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

سجالات

محمد حسني

إسرائيل والدروز.. ورقة الطائفية واللعب على المكشوف – الجزء الثاني

2025.09.14

مصدر الصورة : مونت كارلو الدولية

إسرائيل والدروز.. ورقة الطائفية واللعب على المكشوف – الجزء الثاني

 

في الحلقة الأولى من المقالة، تناولتُ كيف استطاعت إسرائيل إعادة تشكيل موقع الدروز داخل فلسطين، من فلاحين مرتبطين بأرضهم إلى جماعة عسكرية أُقحمت في بنية الدولة العبرية، عبر مزيج من المصادرة الاقتصادية وإعادة إنتاج الهوية وسياسة «فرّق تسد». لكن القصة لم تتوقف عند حدود 1948، بل ظلت «نموذجًا ناجزًا» تتطلع تل أبيب إلى استنساخه كلما سنحت الفرصة.

اليوم، ومع انهيار الدولة السورية وتحوّل السويداء إلى ساحة احتجاج ورفع للأعلام الإسرائيلية، تعود الأسئلة نفسها: هل تسعى إسرائيل إلى تكرار ما فعلته مع دروز فلسطين قبل سبعين عامًا؟ أم أنّ السياق السوري المختلف يفتح أمامها طموحًا أبعد، نحو إعادة رسم الخريطة الطائفية لسوريا ذاتها على مقاس مشروعها الإقليمي؟

سايكس- بيكو

عقب الحرب العالمية الثانية، عمل الاستعمار على تقسيم تركة الدولة العثمانية، بين القوتين العظميين وقتها، إنجلترا وفرنسا، فيما عُرف باتفاقية سايكس-بيكو. كذلك سعت كل منهما إلى تقسيم ما وقع تحت يديها بالحجم والطريقة التي تضمن ضعفها.

رسم الاستعمار الفرنسي لسوريا خارطة تقوم على تفتيتها إلى دويلات طائفية، كان من بينها «دولة السويداء» التي أُعلن قيامها في 4 مارس 1922، قبل أن يتغيّر اسمها عام 1927 إلى «دولة جبل الدروز» أو «جبل العرب». لم تكن هذه الكيانية محصورة في الدروز وحدهم، إذ ضمّت نحو خمسين ألف مسيحي، بينما لم يُدرج البدو المسلمون في الإحصاءات الرسمية.

ومن قلب هذا الجبل اندلعت شرارة الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان الأطرش، رافضةً مشروع التقسيم، واستطاعت أن تفرض وحدة سوريا باستثناء لبنان ولواء الإسكندرونة، كما نصّت معاهدة عام 1936.

وعندما تفجّرت الثورة الفلسطينية (1936-1939) ضد الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني، تدفّق السلاح والمقاتلون من سوريا إلى فلسطين. عندها، أدركت الحركة الصهيونية أن استمالة الدروز السوريين أو على الأقل تحييدهم، هدف ملحّ، تمامًا كما جرى مع دروز فلسطين. غير أن الغاية الأبعد كانت مشروع «ترانسفير» الذي يهدف إلى نقل دروز فلسطين إلى دويلة جبل الدروز المرسومة في المخيلة الاستعمارية.

سعى الصهاينة إلى فتح قنوات اتصال مع سلطان الأطرش، بالتوازي مع بثّ شائعات تتحدث عن تنكيل الثوار الفلسطينيين بالدروز، في محاولة لشق الصف الوطني. وفي 31 يوليو 1938 نشرت الدعاية الصهيونية صورة تجمع آبا حوشي بالأطرش، زاعمة أنها تحمل موافقة مبدئية منه على خطة ترحيل الدروز من شمال فلسطين إلى جبل الدروز. وقدّم العملاء الدروز حوشي إلى الأطرش على أنه نقابي يُدعى «أبو خالد»، في محاولة لتمرير اللقاء.

كان آبا حوشي قد نجح في تجنيد يوسف العيسمي، أحد الزعامات العربية التي راكمت ثروة من سمسرة الأراضي لصالح الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي. ومن خلاله، دفع باتجاه مشروع تهجير الدروز، محاولًا إغراء الأطرش بأن الترحيل سيزيد أعداد الدروز في «دولة جبل العرب»، وسيرافقه تدفق أموال ضخمة عبر «تعويضات» صهيونية، وفق الخطة التي وضعها إلياهو إبشتاين عام 1937، وإن كانت الفكرة مطروحة قبله بسنوات.

غير أن رد الأطرش جاء حازمًا «إذا رغب إخوتنا أن يأتوا برضاهم، ورأوا في ذلك فائدة لهم، فنحن لا نعترض. لكنني أعتقد أن هناك مخاطر كثيرة، ومن ثم نحن لا نقبل بأن ينظر إلينا إخواننا المسلمون نظرة الشك أو الخيانة» [i] .

لاحقًا، تكشّف عبر الصهيوني يوسف نحماني أن آبا حوشي أرسل تقارير مضللة إلى قيادته يوهمهم فيها بقبول الأطرش للمشروع. كما أكّد آرثر ميرتون، مراسل «الدايلي تلجراف» البريطانية وعميل الوكالة اليهودية، أن الأطرش كان في الحقيقة داعمًا للمقاومة الفلسطينية «قلبًا وقالبًا». ولم يظهر في الأرشيف الصهيوني ما يثبت قبول الأطرش بالترحيل، باستثناء مراسلات حوشي نفسه.

وفي نهاية المطاف، لم يستجِب دروز فلسطين لهذه المحاولات، بينما تخلّى الانتداب الفرنسي عن الفكرة. وفي 2 نوفمبر 1939، قدّم آبا حوشي تقريرًا يعلن فيه اضطراره إلى وقف نشاطه في ملف ترحيل الدروز.

محيط طائفي لدولة عنصرية

تكشف الوثائق الصهيونية أن الحركة سعت منذ وقت مبكر إلى هندسة خريطة طائفية في المشرق، بما يسهّل وجود دولتها ويضمن تفتيت محيطها، حتى قبل إعلان قيام إسرائيل رسميًّا. وجاءت اتصالاتها بالزعماء الدروز في سياق أوسع من محاولات التواصل مع مختلف الأطراف دون استثناء، من الأقليات المذهبية كالدروز والموارنة والعلويين والشيعة، إلى الأقليات العرقية مثل الأكراد، بل وحتى قيادات سنية بارزة، وبعض الأسماء المحسوبة على الحركات الوطنية، فضلًا عن صحفيين. لم تتردّد الحركة في دفع الأموال إلى هؤلاء، سواء مقابل خدمات آنية أو تحسبًا لصعودهم إلى مواقع السلطة مستقبلًا.

وهكذا تكوّنت بالفعل قائمة طويلة من شخصيات سورية ولبنانية ارتقت لاحقًا إلى مناصب رفيعة، وصل بعضها إلى رئاسة الحكومة أو حتى رئاسة الجمهورية، وكانت لهم صلات مباشرة مع الإسرائيليين، بل إن بعضهم استعان بالدعم الإسرائيلي في ترتيبات انقلابية [ii] . وفي المقابل، أهملت القيادة الصهيونية أي اتصالات جادّة مع مفاوضين عرب، سواء قبل إعلان الدولة أو بعده، وواصلت بدلًا من ذلك المسار الأكثر أمانًا بالنسبة إليها: تجنيد العملاء.

خلال سنوات الحرب، ورغم نجاحها في تجنيد بضع مئات من الدروز والشركس والبدو، رفضت القيادة الصهيونية دمج الموارنة اللبنانيين في جيشها، وبدلًا من ذلك شكّلت منهم وحدة خاصة للتجسس وتنفيذ عمليات تخريب خلف الخطوط العربية. كما تضمن المخطط الصهيوني حينها مشروعًا خطيرًا يقضي بترحيل سكان الجنوب اللبناني من الشيعة، الذين شاركوا في القتال ضدها، وإحلال الموارنة محلهم، بما يعيد تشكيل البنية الديمغرافية في واحدة من أكثر الجبهات حساسية.

عقد النهوض

تلت حرب 1948، وضياع فلسطين، فترة تراجع، إلى حين النهوض من جديد.

لم تهدأ الجبهة السورية خلال الخمسينيات والستينيات، ما قضّ مضاجع الإسرائيليين، خاصة بعد إعلان الوحدة العربية، وبسبب حركة المقاطعة العربية.

وبعد حرب 1967، وفي ذروة نشوة الانتصار وهوس القوة، سعت إسرائيل إلى ضم الجولان، وتجنيس أهلها، وفوجئت برفضهم بمن فيهم الدروز، برغم الاستعانة بالدروز الفلسطينيين الموالين لإسرائيل، وظل أهالي الجولان، دروز وغيرهم، مواطنين سوريين، يتمتعون بمجانية التعليم السوري، ويسوقون جزءًا من محاصيلهم في الأسواق السورية، ويتزوجون من عائلاتهم في سوريا.

ما خشيته إسرائيل.. وما تمنته

خلال المواجهات المختلفة متباينة المدى، بين إسرائيل وكل من لبنان وسوريا، خشيت إسرائيل أمرًا وتمنت آخر؛ خشيت أن تفقد سيطرتها على جنودها وضباطها من الدروز عندما يقفون في مواجهة إخوانهم، فدروز لبنان وسوريا لا يرتبطون بهم مذهبيًّا وحسب، بل إن هناك روابط عشائرية وأسرية بينهم. لكن القيادة الإسرائيلية استطاعت طمأنة جنودها، والعزف أيضًا على وتر الطائفية، للحيلولة دون وقوع مخاوفها.

ومن ناحية أخرى تمنّت أن تستقطب الأقليات العربية في كل من لبنان وسوريا، وأولهم الدروز، لكنها فشلت في تحقيق ما تمنته على الأقل في سوريا، بينما استغلت الحرب الأهلية في لبنان، وجندت ميليشيات تابعة.

كانت إسرائيل تعتمد على شراء العملاء، كسياسة مستمرة، فلم تنجح في إحداث تغير نوعي في وعي الجماهير أو مصالحها، حتى المنتمية إلى أقلية، مثل الدروز.

كان النظام السوري، وفي إطار لعبه بورقة الطائفية، يقرّب منه الأقليات المختلفة، مثل الأكراد والدروز، وذلك على عكس أنظمة أخرى، وبالتالي لم يعانِ الدروز -ولا الأكراد- من التمييز ضدهم، بل على العكس كان التمييز لصالحهم أحيانًا.

الأهم أنهم احتفظوا بإطارهم الاجتماعي الاقتصادي، كما أتيحت لهم الفرصة للتطور مع تطور الدولة السورية، عن طريق التعليم والتوظيف والنشاط التجاري والصناعي، وبالتالي يغيب العنصر الأساسي الذي نجحت فيه إسرائيل مع دروز فلسطين، وهو إحداث تغير وظيفي جوهري، بسلب أراضيهم، ودفعهم نحو الاشتغال في الجيش كمصدر رزق شبه حصري، وخلق العداء بينهم وبين إخوانهم.

برغم شعارات المقاومة، ثم الممانعة، التي رفعها نظام الأسد، حافظ ثم ابنه، كانت هناك اتصالات عبر وسطاء، ظلت سرية من جانب سوريا، وعلنية من جانب إسرائيل، وذلك للتوصل إلى اتفاقية تطبيع على غرار كامب ديفيد، لكن ما جعل الإسرائيليين متلكئين هو برودة حرارة خطوط التماس، وحفاظها على تفوقها في الاستطلاع والاستخبارات، سواء عن طريق التقنيات، أو عن طريق دخول إسرائيليين للأراضي السورية بزي القوات متعددة الجنسيات.

في المقابل انشغال النظام أكثر وأكثر بإحكام قبضته على شعبه، التي كان من أدواتها إلى جانب القمع، والفساد، اللعب بورقة الطائفية، القنبلة الموقوتة التي تدفع ثمنها الشعوب دائمًا.

ورغم تصريحات نتنياهو وحكومته عن "إخوتنا الدروز"، وأصداء ما وقع أخيرًا في السويداء، فإن إسرائيل بحكوماتها المتتالية ظلت موقنة، على الأقل حتى اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، بأنها لن تحقق ما فشلت في تحقيقه مع الدروز في سوريا، وحتى في الجولان المحتل، منذ 1967.

الحرب الأهلية 2011-2024

ما إن اندلعت المظاهرات في سوريا، تأثرًا بما جرى في تونس ومصر، ضد القهر والفساد، والإفقار، وانشغال النظام المجرم في قمعها بكل وحشية، حتى جاءت الفرصة لأطراف عديدة للتدخل، واستمر الحال من سيئ إلى أسوأ.

عانى الشعب السوري من تنظيمات إرهابية من شتى الأعراق والألسنة، ومن قمع وحشي يمارسه النظام ضد شعبه، الذي أصبح ثلثه من اللاجئين، وما تبقى في قبضته أو تحت قصف طائراته ودباباته، التي لم تضرب طلقة ضد إسرائيل منذ 1973.

بالطبع لم تكن إسرائيل لتفوت الفرصة، فانتهكت الحدود السورية برًّا وجوًّا عشرات المرات . كانت أكثرها كثافة في 2013، ثم في 2017-2018. وأخيرًا عقب هروب بشار الأسد، حيث كثفت قصفها لما تبقى من قوات الجيش، وقصفت مبنى وزارة الدفاع.

طوال فترة الحرب، اتصلت إسرائيل بعدة أطراف من المقتتلين، وكانت تنكر مرة، ثم تعود لتفصح على استحياء، زاعمة أنها تقدم مساعدات إنسانية؛ من بين هؤلاء جبهة النصرة التي ينتمي إليها الشرع. في الوقت الذي لم تكترث للدروز، رغم أنهم هدف للجماعات المسلحة، لكونهم أميل إلى الحفاظ على الوحدة والارتباط بدمشق.

عقب هروب بشار، كانت الفرصة لا تعوض بالنسبة إلى إسرائيل، لتعربد في سوريا، فأعادت تنظيم أوراقها، حيث استمرت علاقتها المتناقضة مع جبهة النصرة والشرع، فمن ناحية تضرب مواقع للجبهة، ومن أخرى تستمر في التواصل، ويستمر الشرع في التواطؤ مع انتهاكاتها، والاتصال السري والمعلن مع مسؤولين إسرائيليين.

وقد أصبحت الساحة ممهدة لإسرائيل على النحو التالي:

- انهيار سوريا على جميع الأصعدة، وسقوط جيشها، وتحولها إلى ساحة اقتتال طائفي، تتبارز فيه أطراف خارجية عديدة، بينما يعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وتبيع حكومتها أراضيها ومرافقها لمن يدفع.

- تداعي حزب الله، وتراجع الدعم من جانب سوريا، حتى قبل هروب بشار، وكذلك تراجع المساندة الإيرانية، ودخول إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران.

- تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، واستعداده للخضوع لقوى خليجية ودولية.

ومن هنا حانت اللحظة لتحقيق ما فشل الاستعمار الفرنسي في تحقيقه، وما حلمت به الصهيونية، كهدف سابق حتى على إعلان الدولة، بتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، تمهيدًا لإعلان الدولة الصهيونية، وهو ما تجدد بعد عقود، فيما عرف بـ«وثيقة عوديد-يانون» لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية.

ولأن الخريطة ترجع إلى قرن من الزمان، ولأن موضع ودور الدولة الدرزية ظل كما هو، فقد ادعت إسرائيل ببساطة انها تتدخل لـ«حماية إخواننا الدروز».

هل تنجح إسرائيل؟

بالنسبة إلى الظرف الذاتي الإسرائيلي؛ يعيش نتنياهو حالة من التوحش السياسي، متمسكًا بمقعده بأي ثمن، ومندفعًا نحو توسيع الحرب بجنون، حتى لو دفع الإسرائيليون أنفسهم الكلفة. يسانده في ذلك ائتلاف يميني متماسك ومعارضة شكلية لا تتجاوز حدود الديكور. أما اليمين الديني -وهو الحليف الأكبر لحكومته، فيشارك في إشعال الحرب وتأجيجها، لكنه يرفض في الوقت نفسه تجنيد أبنائه فيها- فلا يرى بأسًا في توسيع الجبهات، ولا يكترث باعتراض المؤسسة الأمنية، بل يعتبر الموقف فرصة للإطاحة بالخصوم وزرع الموالين.

أما الظرف الموضوعي فيكشف عن محيط عربي بلغ من الهشاشة حدًّا فاق التوقعات، إذ قابل الوحشية والوقاحة الإسرائيلية بـاستكانة مُهينة [iii] . سوريا غارقة تحت سلطة طائفية عميلة لا تملك أفق دولة مؤسسات موحدة، تحكمها عقلية تقوم على تصنيف المنافسين وفق انتماءاتهم وقوتهم، وتستعد لقمع الأهالي وارتكاب المجازر، بينما تغض الطرف عن انتهاكات إسرائيل لأراضيها، بل ويجري هذا في الوقت الذي يجلس فيه وزير خارجيتها مع ممثل إسرائيلي من مستوى متدنٍّ [iv] .

الأدهى أن بعض المسؤولين في حكومة الشرع يصفون الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة بأنها «وسيلة وليست غاية»، وكأنهم يبرّئون إسرائيل من صفة الاحتلال، ويعترفون ضمنًا بأن الغاية هي إخضاعهم. هم لا يرون غضاضة في لعب دور التابع الاستعماري، بل يتهيؤون لأن يكونوا مخلبًا إسرائيليًّا موجَّهًا نحو لبنان أيضًا. في الوقت نفسه، نجحت إسرائيل في تهديد الأتراك وتقييد طموحاتهم في سوريا، ليكتفوا بالمحافظات الحدودية التي باتت تتعامل بالليرة التركية.

ويرى بعض المحللين أن «الوضع في سوريا مختلف»، بحجة أن الشعب السوري بطبيعته ضد الانفصال، وأنها دولة مركزية إداريًّا واقتصاديًّا لا يملك أي إقليم فيها موارد كافية ليشكل كيانًا مستقلًّا، فضلًا عن أن القوى الإقليمية والدولية لا تريد ذلك.

لكن ضميرًا حيًّا لا يمكن أن يقبل استمرار معاناة الشعب السوري في هذا التمزق المتواصل، الذي يزداد خطورة مع مؤشرات الانقسام الفعلي. فالعوامل التي يستند إليها الرافضون لسيناريو الانفصال قد تكون وجيهة لو كانت الرغبة نابعة من جماهير حرة، أما حين تأتي من قوى طائفية مدفوعة من الخارج لخدمة مصالح معادية للشعب، فإنها لا تُستخدم إلا في إطار الشحن الطائفي. إسرائيل وغيرها لن تكترث إن كانت الأقاليم الانفصالية قادرة على الاكتفاء الذاتي أو لا، بل بالعكس يجعلها أكثر خضوعًا وتبعية.

والأكثر إدهاشًا هو الحديث عن «قوى إقليمية ودولية» لا تريد تمزيق سوريا. فإذا لم تكن هذه القوى نفسها صاحبة مصلحة في تفتيتها -كما حدث في العراق- فإنها على الأقل لم تُبدِ أي اكتراث بمصير شعب تُرك فريسة للصراع نحو خمسة عشر عامًا. والنتيجة أن معاناته تتفاقم في ظل التشرذم، بينما تبقى غزة مثالًا حيًّا على التواطؤ الإقليمي والدولي.


[i] سعيد نفاع، العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية، المختارة – لبنان: الدار التقدمية، 2010، ص 139.
[ii] ثلاثة رؤساء جمهورية في لبنان: بشارة الخوري وإميل إدة وكميل شمعون، وثلاثة رؤساء حكومات: رياض الصلح وخير الدين الأحدب وخالد شهاب. وفي العراق: نوري السعيد، وفي سوريا: فوزي البكري ونسيب البكري ولطفي الحفار.
[iii] في أثناء العمل على كتابة المقالة، انتهكت الطائرات الإسرائيلية الأراضي القطرية، وقصفت مقار إقامة مفاوضي حماس. في استعراض فجّ للقوة والإخضاع.
[iv] بعثت إسرائيل بـ«رون دريمر»، وزير التعاون الإستراتيجي -وليس الخارجية- للقاء وزير الخارجية السوري. وللعلم فإن هذا المنصب، هو واحد من عدة مناصب وزارية، رغم ضخامة أسمائها، هي مجرد مناصب شكلية، ابتدعها نتنياهو في حكوماته للوفاء بوعوده الائتلافية، حتى تضخمت الحكومة بتلك المناصب.