عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

توماس تينجلي إيفانز

ماذا وراء "وقف إطلاق النار" الذي أعلنه ترامب بشأن إيران؟

2025.06.28

تصوير آخرون

ترجمة: أشرف إبراهيم

المقال الأصلي منشور في جريدة Socialist Worker في تاريخ 24 يونيو 2025[1]

 

ماذا وراء "وقف إطلاق النار" الذي أعلنه ترامب بشأن إيران؟

 

لقد أعلن ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لكن آلة القتل الإمبريالية في الشرق الأوسط لم تتوقف. وقد تقلب دونالد ترامب كثيرًا في مواقفه من الحرب على إيران، طالب بـ"تغيير النظام"، ثم قصفها، وبعد يومين فقط، أعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ونهاية ما وصفه بـ"حرب الـ12 يومًا".

إلا أن هذا الإعلان لا يعني نهاية المجازر في الشرق الأوسط، ولا انتهاء خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة. قفي صباح اليوم التالي، زعمت إسرائيل، بشكل منافق، أن إيران قد خرقت وقف إطلاق النار عبر هجمات صاروخية، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي "إسرائيل كاتس" أنه أمر قوات الاحتلال بـ"الرد بقوة" عبر "ضربات مكثفة ضد أهداف للنظام في قلب طهران".

لكن تهديده جاء بعد ليلة من أعنف الغارات الجوية الإسرائيلية على العاصمة الإيرانية. وصرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن إيران ستتوقف عن إطلاق الصواريخ إذا توقفت إسرائيل عن شن هجماتها.

بحلول الظهيرة، بدأ ترامب يهاجم الطرفين، في مؤشر على ضعف الولايات المتحدة. وقال:

"بمجرد أن أبرمنا الاتفاق، خرجت إسرائيل وأسقطت كمية هائلة من القنابل لم أرَ مثلها من قبل ... لست سعيدًا بإسرائيل. عندما أقول لهم "لديكم 12 ساعة"، لا تبدءوا الهجوم في أول ساعة بكل قوتكم. ولست سعيدًا بإيران أيضًا".

إذًا، ماذا تعني تقلبات ترامب السريعة تجاه الحرب مع إيران؟

أولًا، هي دليل على ضعف الإمبريالية الأمريكية، وليس قوتها.

ثانيًا، تعكس وجود انقسامات داخل البيت الأبيض، وحتى بين قاعدة ترامب اليمينية المتطرفة من مؤيدي "اجعل أمريكا عظيمة مجددًا".

صحيج يوجد صقور حول ترامب يدفعونه نحو الحرب، لكن هناك أيضًا من مؤيدي MAGA من لا يرغبون في تورط أمريكا في حرب جديدة بالشرق الأوسط. حيث يخشى البعض أن تدفع الحرب دولًا أخرى إلى أحضان الصين، الخصم الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة. كما أن ارتفاع أسعار النفط سيقوي روسيا، التي تتبع نهجًا صلبًا في مفاوضات أوكرانيا.

لقد أتت أزمة إيران بعد أن تسببت الحرب التجارية العالمية التي شنها ترامب ضد الصين في فوضى اقتصادية وانقسامات سياسية. وصار ترامب عالقًا في ورطة. فهو مضطر إلى دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد بقاء حكومته على تصعيد الحرب والإبادة الجماعية. فتحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف يجعله مطالب بـ"نصر مطلق" على الفلسطينيين، وطموح إلى هيمنة إسرائيلية شاملة على المنطقة.

ورغم أن بعض أجنحة الإدارة الأمريكية لا تريد الانجرار إلى "حرب أبدية" جديدة، إلا أن عرض السلاح الجوي الأمريكي، الذي حلق 36 ساعة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، منح نتنياهو انتصارًا سياسيًّا.

أما النظام الإيراني فهو أيضًا في مأزق. لطالما انتهجت إيران إستراتيجية "حلقة النار" ضد إسرائيل، عبر دعم حلفاء كحزب الله دون الدخول في مواجهة مباشرة. لكن غزو إسرائيل للبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا شكّلا ضربات كبيرة لمحور إيران. فاضطرت إيران إلى الرد على إسرائيل وأمريكا، لكن دون التسبب في حرب شاملة مدمرة.

قامت إيران بشن ضربات جوية على قاعدة أمريكية في قطر يوم الاثنين انتقامًا. إلا أن ترامب تباهى بأن إيران أبلغت الولايات المتحدة مسبقًا بالهجوم، ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أن ذلك تم عبر قناتين دبلوماسيتين. ورغم أن تلك المناورات السياسية قد توحي بنوع من المسرحية، فإن قصف ترامب لإيران لم يكن خاليًا من تهديد حقيقي بالحرب.

ومرة أخرى، من يدفع الثمن هم الأبرياء في الشرق الأوسط الذين تقتلهم آلة الحرب الإمبريالية. بل إن ما تكشفه هذه الأحداث هو مدى هشاشة وخطورة الوضع العالمي، وأن هذه التقلبات ليست بسبب ترامب فقط، بل تعبيرًا عن أزمة أعمق في الإمبريالية الأمريكية. فتقلبات ترامب إزاء إيران تسلط الضوء على التوترات الأعمق في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

لقد صارت إسرائيل، وهي مستعمرة استيطانية قائمة على الدعم الإمبريالي منذ نشأتها، دولة رأسمالية قوية، ولم تعُد تعتمد كليًّا على الدعم الأمريكي، بل باتت قوة إقليمية إمبريالية في حد ذاتها. وهذا يعني أنها صارت قادرة على التمرد أحيانًا على رغبات الولايات المتحدة، والدفع نحو مزيد من الحروب، حتى إن عارضتها واشنطن.

إلى أين تتجه الإمبريالية؟

حجم المجازر في غزة تسبب في توترات بين واشنطن وتل أبيب. بعض النخب الحاكمة في أمريكا تخشى أن تؤدي الاعتداءات الإسرائيلية إلى إشعال انتفاضات شعبية ضد الأنظمة العربية العميلة. كما أُحرجت الدول الغربية أخيرًا واضطرت إلى انتقاد إسرائيل، بسبب الأزمة العميقة في شرعيتها بعد دعمها لإبادة جماعية.

لكن نتنياهو عرف دومًا كيف يضغط على أمريكا ويبتزها عند أول بادرة نقد. فهو يعلم أن أمريكا، عندما تصل الأمور إلى نقطة حاسمة، ستقف دومًا إلى جانب "كلب الحراسة" الخاص بها في الشرق الأوسط. لقد استقبل نتنياهو إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر الماضي بإقالة وزير دفاعه "الليبرالي" نسبيًّا، وتصعيد المجازر. كما رحّب بخطة ترامب للتطهير العرقي في غزة في يناير.

أما ترامب، فيحاول التعامل مع التمدد الإمبريالي الأمريكي المفرط، ومع تراجع قدرة أمريكا على السيطرة على العالم. لقد سعى إلى بناء علاقات مع دول الخليج والنظام الجديد في سوريا، وفي زيارته الأخيرة للمنطقة تجاهل نتنياهو ولم يزُره. وكان يسعى مبدئيًّا إلى التفاوض على اتفاق جديد مع إيران، جزئيًّا بسبب التنافس مع الصين، التي تزيد من نفوذها في إيران والشرق الأوسط.

لقد أُصيب نتنياهو بالذعر من احتمال عقد اتفاق أمريكي-إيراني، وشنّ سلسلة من الضربات الجوية الأسبوع الماضي. وقد أجهضت هذه الضربات أي فرصة للاتفاق، وأدت إلى تصعيد أمريكي جديد تجاه إيران. لقد اصبح الوضع مرعبًا ، لكن يظل هناك جانب مضيء. فخلال الـ18 شهرًا الماضية، أثبتت حركة التضامن مع فلسطين قوتها.

لقد كشفت هذه الحركة زيف ادعاءات "الليبرالية الغربية" و"حقوق الإنسان" أمام أعين الملايين. وباتت معاداة الإمبريالية موقفًا شعبييًّا ومنطقيًّا واسع الانتشار. وصار من الضروري هنا في بريطانيا، وفي كل مكان آخر، بناء حركة تضامن مع فلسطين ومعارضة الإمبريالية لوقف اندفاع العالم نحو الحرب.


1- https://socialistworker.co.uk/palestine-2023/whats-behind-trumps-ceasefire-over-iran/