هوامش
آبي آشرثورة الذكاء الاصطناعي قد تفقد زخمها
2025.09.21
مصدر الصورة : Getty Images
ثورة الذكاء الاصطناعي قد تفقد زخمها
على الرغم من الاستثمارات الضخمة والوعود الكبيرة، تكافح شركات الذكاء الاصطناعي لتحقيق عوائد ملموسة. قد يكون فقاعة الذكاء الاصطناعي في طور الانكماش [i] ، لكن كما حدث في أزمة شركات الإنترنت في مطلع الألفية، قد يؤدي ذلك في النهاية إلى تركيز القوة في أيدي عمالقة التكنولوجيا.
في أواخر أغسطس، خطفت أنظار متابعي التكنولوجيا حول العالم أنباء من وادي السيليكون: شركة «ميتا» أعلنت بشكل مفاجئ تجميد التوظيف في قسم الذكاء الاصطناعي لديها.
مثّل هذا القرار تحولًا مفاجئًا في إستراتيجية الشركة التي يقودها مارك زوكربيرج، إذ لم يمر سوى أسابيع قليلة على تقارير أفادت بأنها عرضت مكافآت توقيع تصل إلى 100 مليون دولار، وحزم تعويضات أكبر بكثير لجذب المواهب.
رأى البعض في القطاع أن هذه الخطوة لا تعكس سوى صعوبة ميتا في بناء قسم منافس للذكاء الاصطناعي، مشيرين إلى أن اضطرار الشركة إلى تقديم مثل هذه العقود الباذخة من البداية هو في حد ذاته دليل على فشلها في استقطاب الكفاءات، خاصة مع سمعتها كمكان صعب للعمل.
لكن آخرين اعتبروا أن الخبر يحمل دلالات أوسع، وأن «ثورة الذكاء الاصطناعي» ربما تواجه عقبة حقيقية.
يقول ماكس ريد، الذي يغطي أخبار الذكاء الاصطناعي في نشرته البريدية، لمجلة «Jacobin»: «هناك فقاعة مبالغات. يمكننا أن نتفق جميعًا على أنه خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، كان هناك قدر هائل من الوعود المفرطة التي لم تتحقق بشأن قدرات هذه النماذج اللغوية الضخمة، وعود بأنها ستغيّر العالم وكل شيء فيه. أعتقد أننا جميعًا نتفق على أن هذه الفقاعة في طريقها إلى الانكماش».
ولا يقتصر الأمر على قرار ميتا، إذ هناك مؤشرات أخرى على أن الذكاء الاصطناعي، على الأقل في مرحلته الحالية، لا يرقى إلى مستوى التوقعات الطموحة. فقد وجدت دراسة صادرة عن معهد MIT أن 95٪ من مشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدي فشلت في زيادة الإيرادات، كما أن وتيرة اعتماد الشركات الكبرى لهذه التكنولوجيا تبدو في تباطؤ.
يعلّق آرون بيناناف، أستاذ بجامعة كورنيل: «تكلفة إنتاج نموذج جديد ترتفع بسرعة هائلة، بينما تصبح المكاسب أصغر.ChatGPT-5 ليس أفضل من ChatGPT-4.5، الفارق في القدرات شبه معدوم. قادة مايكروسوفت وغيرهم قالوا إن هذه التكنولوجيا سترفع الإنتاجية بشكل كبير، وكان يجب أن يحدث ذلك فعلًا، لأن حجم الإنفاق عليها ضخم، لكن العوائد الاقتصادية لم تتحقق».
ومع ذلك، يحذر ماثيو إيليس، أستاذ بجامعة بورتلاند، من أن وجود فقاعة لا يعني بالضرورة زوال الذكاء الاصطناعي. فإذا كانت فقاعة الذكاء الاصطناعي شبيهة بفقاعة الإنترنت كما أشار سام ألتمان من «أوبن أي آي»، فهذا لا يعني أن التكنولوجيا ستختفي أو تصبح أقل تهديدًا للعمال.
ويضيف: «فقاعة الإنترنت انفجرت، لكننا ما زلنا نملك المواقع الإلكترونية والإنترنت وكل ذلك. ما حدث هو السيناريو المعتاد في الرأسمالية: يُحرق فائض رأس المال، ثم تستحوذ الشركات الأقوى على ما تبقى، لتصبح أكثر هيمنة وتقترب من الاحتكار».
ويتوقع ريد أن أكبر المستفيدين من انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي سيكونون الأسماء المعتادة: جوجل، مايكروسوفت، وربما ميتا في نهاية المطاف، موضحًا: «هذه الشركات العملاقة لديها بالفعل نماذج خاصة بها، وعلاقات وثيقة مع الدولة والأجهزة الأمنية، ومع الحكومة أيًّا كان من يحكم. هذا ليس تغيرًا في ميزان القوى، بل تكريسًا للقائم».
أما الشركات الناشئة والأصغر حجمًا فهي التي قد تواجه صعوبة في النجاة، ومع ذلك فإن فشل شركة أو نجاح أخرى لا يحدد مصير التكنولوجيا نفسها. يقول إيليس: «قد نرى شركات ذكاء اصطناعي تنهار بشكل مدوٍّ، لكن التكنولوجيا لن تختفي، لأن هدفها الأساسي هو أتمتة العمل، وهذا ما يريده الجميع».
ويقارن ريد الوضع الحالي بفقاعة العملات الرقمية أكثر من فقاعة الإنترنت، مشيرًا إلى انهيار منصة FTX وسجن مؤسسها سام بانكمان-فرايد، ومع ذلك لم تختفِ العملات المشفرة، بل أصبحت أكثر قوة وتأثيرًا خلف الكواليس.
ويضرب مثالًا: «في انتخابات 2024، أنفقت جماعات ضغط مرتبطة بالعملات الرقمية ملايين الدولارات، وفاز مرشحوها في 53 من أصل 58 سباقًا انتخابيًّا. إحداها أنفقت 40 مليون دولار للإطاحة بالسيناتور شيرود براون، خصم الصناعة ورئيس لجنة البنوك. واليوم، تستعد هذه الصناعة لإنفاق أكبر في الدورة المقبلة، بينما وصل سعر البيتكوين إلى أعلى مستوى له على الإطلاق».
الحكومة ترسّخ هيمنة الذكاء الاصطناعي
عنصر آخر يوضح أن الذكاء الاصطناعي باقٍ باندماجه المتسارع في عمليات الحكومات، واعتباره قضية أمن قومي.
فإدارة ترامب أعلنت بوضوح أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي، معتبرة «الهيمنة التكنولوجية غير القابلة للطعن» مسألة أمن قومي في «خطة العمل الوطنية للذكاء الاصطناعي». ويرى بيناناف أن هذا التوجه يحمل بعدًا أيديولوجيًّا أيضًا، إذ إن الولايات المتحدة خسرت السباق في مجال التقنيات الخضراء، ما يدفعها إلى المراهنة على الذكاء الاصطناعي.
على مستوى الولايات، بدأت حكومات محلية بالفعل في ضخ استثمارات عبر شراكات مع شركات الذكاء الاصطناعي وتقديم إعفاءات ضريبية ضخمة لبناء مراكز البيانات. مثال بارز هو إعلان «ميتا» في يونيو عن خطط لبناء أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي في العالم في لويزيانا، بعد أن حصلت على إعفاء ضريبي لمدة عشرين عامًا، إلى جانب تمويل ثلاث محطات كهرباء جديدة بتكلفة 3 مليارات دولار.
قد تكلف هذه الحوافز الضريبية الدولة أكثر من 10 ملايين دولار سنويًّا حتى عام 2059. ورغم أن لويزيانا حالة لافتة، فهي ليست وحيدة: تحقيق لشبكة CNBC كشف أن الولايات الأمريكية قدّمت خلال خمس سنوات فقط تنازلات ضريبية لا تقل عن 6 مليارات دولار لجذب مراكز البيانات.
لكن لهذه المراكز آثار بيئية مدمرة. فاستعلام واحد عبر ChatGPT يستهلك عشرة أضعاف الطاقة مقارنة ببحث جوجل. مركز بيانات قيد التخطيط في وايومنغ سيستهلك كهرباء أكثر من كل منازل الولاية مجتمعة، بينما استهلك مركز بيانات جوجل في أيوا 1.3 مليار غالون من المياه عام 2023. هناك دلائل أن هذه المراكز ترفع أسعار الكهرباء وتستنزف مصادر المياه العذبة.
يقول ريد: «نحن نسير بسرعة في سباق تسلّح بالذكاء الاصطناعي وسط انهيار بيئي عالمي، تحكمه تصريحات شبه دينية من وادي السيليكون وجشع المستثمرين الباحثين عن نمو جديد بعد تراجع التصنيع العالمي. كل هذه العوامل مترابطة، وكلها سيئة».
لكن بيناناف يشدد على أن ذلك لا يعني استسلام العمال. «من المهم أن نعرف أن تقنيات الكمبيوتر خلال الأربعين إلى الخمسين عامًا الماضية لم تلغِ الوظائف، بل غيرت طبيعتها. الحديث عن القضاء على الوظائف يهدف في الغالب إلى إحباط الناس عن المطالبة بتحسين ظروفهم. ما يتغير هو طبيعة العمل، وليس وجوده».